تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيْ حافظَ المُتون: هَاكَ قطُوفاً من أزاهيرِ السَّلَفْ ** يهنا جَنَاها مَنْ على الحقِّ وَقَفْ

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[26 - 10 - 10, 10:10 ص]ـ

الحمد لله وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمدٍ رسول الله وعلى آل بيته وصحابته والتابعين , وبعد:

فإنَّ شأنَ الحِفظِ وضبطَ المُتونِ والمنظوماتِ وكُلِّ ما يُستَعانُ بهِ على إدراكِ حقائقِ التَّنزيل مِمَّا أجمعَ على طلَبِهِ وزَكاتهِ برُّ طلبةِ العلمِ ونقيضُهُ , وقد ضاقَ أقوامٌ ذرعاً بالحفظِ وضربوا الذكرَ صفحاً عن المتونِ وتنادوا بحناجرَ شتَّى وصوتٍ واحدٍ يدعو إلى نبذها لأنَّها في زعمهم مَشْغَلةٌ عن الوحيينِ , ورحم اللهُ حماد بنَ سلمةَ القائلَ (مَن طَلبَ الحَديثَ ولمْ يعلمِ النَّحوَ أو قالَ العربيَّةَ فهُو كمِثلِ الحمَارِ تُعلَّقُ عَليهِ مِخلاَةٌ لَيسَ فيهَا شَعيرٌ) وابنَ الأنباريِّ القائلَ (وجَاءَ عنْ أصْحابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّمَ وَتابِعِيهِمْ رِضْوانُ اللهِ علَيهِم، مِنَ الاحتِجَاجِ عَلَى غرِيبِ الْقُرآنِ وَمُشكِلهِ باللُّغَةِ والشِّعرِ مَا بيَّنَ صحَّةَ مذْهَبِ النَّحْويِّينَ في ذلك، وأوْضَحَ فَسادَ مذهَبِ منْ أنكرَ ذَلَكَ عَليْهمْ) , ومن زعمَ المقدرةَ في عصرنا على اقتفاءِ هذه الآثارِ الطيبةِ لأسلافِ الأمَّةِ من غيرِ متنٍ أو منظومةٍ فهو أَفْلَسُ مِنِ ابْنِ الْمُذَلَّق وأفرغُ من فؤادِ أمِّ مُوسَى.!

وبرغمِ ضيقِ الوقتِ وكثرةِ الصَّوارفِ فإنِّي طُفتُ طوافاً سريعاً ببعضِ أمَّهاتِ ودواوينِ العلمِ التي يهتدي بها الحيرانُ ويروى الصديانُ لأستبينَ ما يراهُ أسلافُ الأمَّةِ البررةِ من أهمِّيةِ حفظِ المُتون العلميَّةِ وإنشائها وتدارسها وشحن الحافظةِ بكلِّ نافعٍ وأُثبِتَ في ما وقفتُ عليهِ ثناءَ بعضهم على بعضٍ بغزارة المحفوظِ من غير اشتراطِ أن يكونَ المحفوظُ وحياً صِرفاً من عند اللهِ, ولم ألتفت في ذلك لصحيفةٍ سيَّارةٍ أو أستكثرْ برفقةٍ ميَّارة , بل قنِعتُ بأخبارِ الماضينَ التي ينفحُ منها الطيبُ , ويطيبُ واديها الخصيبُ , ويلَذُ عيشُها الرَّطيب:

فخرجتُ من هذا الطَّوافِ بجُملَةٍ = يُطوَى بها الضلِّيلُ أو يَتضاءَلُ.

وقبلَ البَدءِ في المقصُودُ أهدي لحفَظةِ المُتُونِ هذه الصُّورة المُعَبِّرةَ الدقيقةَ لكثيرٍ من أدعياءِ العلمِ والمعرفةِ , والتي يقول فيها محمد بنُ عبد الله المؤدِّبُ البصريُّ رحمه الله:

رُبَّ إنسَانٍ مَلَا أَسْفاطَهُ = كُتُبَ العِلْمِ يَعُدُّ وَيَحُطّْ

فَإِذَا فتَّشْتَهُ عَن عِلْمِهِ = قَالَ عِلمِي يَا خَلِيلِي فِي السَّفَطْ

بِكَرَارِيسَ جِيَادٍ أُحْرِزَتْ = وَبِخَطٍّ , أيِّ خَطٍّ , أيِّ خَطّْ

فَإِذَا قُلتَ لَهُ: هَاتِ إِذَنْ! = حكَّ لحَْيَيْهِ جَمِيعًا وامْتَخَطْ

وهذا في عهده رحمه الله قبل تسعمائة عامٍ , أمَّا اليومُ فما عادوا يمتخطونَ أو يحكُّونَ بل يتنحنحونَ ويكحُّونَ فيُمَخرقونَ ويتكلَّفونَ ما لا يطيقونَ ثمَّ لا يتوبونَ وَلاهُم يذَّكَّرونَ.

وعَوداً على غَرَضِ المَوضوعِ الذي سيقَ لهُ فهذا مَسردُ الفوائدِ - التي اختطفتُها في تطوافٍ عاجلٍ – المبينة لحقيقة الفارقِ المانعِ من مباشرة الاستمداد (الكليِّ) من الوحي دونَ استعانةٍ بغيره , والمؤكِّدةِ على أنَّ حفظَ العلمِ متونِهُ ومنظوماتهِ ومُدَوَّناتهِ على اختلافِ أنواعها سُنَّة من مضى من السلَفِ , وعُدةُ من بقي من الخلفِ , ولا يجافيها إلا من طبعَ عليهِ الجهلُ أو الغُرورُ أو هُما معاً خاتمَ التَّلفِ , وفي ثنايا هذا المسردِ تجدُ التوكيدَ اللفظيَّ والمعنويَّ على أنَّ من العلوم الشرعية ما يستحيلُ على الطالبِ أن يجوزَ على صراطه حتى يستعصمَ في ذلكَ ويستمتنَ بنظمٍ ارتضتاهُ الأئمةُ وتلقَّتهُ عنهمُ الأمَّة , وتجلَّت به للناظرِ حقيقة مناهجهم السامقةِ التي شيَّدوها.

مسردُ الفوائد:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير