تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لم يكن هذا خاصا بي، بل أشعرت جميع أخوتي ستة من الذكور و اثنين من الإناث بأنهم موضع اهتمامها و إيثارها، لقد أشعرتنا جميعا بمحبتها لنا،وهو معنى يسهل الكلام فيه و يصعب جدا تحقيقه بين الأبناء حتى ولو حرص عليه الآباء فقد لا يستشعره الأبناء و يحسون بالفوارق بين بعضهم البعض و أن الأم تحب فلان أكثر من علان، لقد كان جهادها الكبير موضع تقديرنا جميعا و لدلك بادلناها حبا بحب و قد يكون هذا هو سبب كراهيتنا لنومها و حينا ليقظتها. فالنوم قريب الموت"الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى".

كانت لربما تأخر أخي الكبير (أنور) في عمله و هو خريج كلية هندسة الإسكندرية دفعة 1963 و يعمل في مركز مرموق بوزارة الري، فكانت تبعثنا للسؤال عنه و تعد له طعامه حتى يأتي، تصنع ذلك وهو متزوج و عنده أولاد، وقد بادلناها إرتباطا بارتباط. و أنا أقل أخوتي في ذلك، فكان أخي أنور يذهب في الصباح الباكر إليها ويتناول الإفطار معها و تأتيه سيارة العمل لأخذه من عندها و لا يرجع من عمله إلا عليها و إذا طرأت مشكلة بالعمل يتصلون به على منزل الوالدة.

حدث في يوم من الأيام أن قال أخي فكري-وهو أكبر مني- لأخيه أنور لماذا لا تجلس في بيتك وسط أولادك؟،وذلك لكثرة جلوسه و تردده على بيت أمي.

ووجدت أنا الكلام محرج، فبماذا سيرد أنور و هالني عندما سمعته يرد بتلقائية على فكري و يقول له: أنا جالس مع أمي و لست في الخمارة و أولادي بإذن الله سيصنعون معي ما أصنعه مع أمي. فكأنما ألقمته حجرا.

و بعد وفاتها_رحمها الله- يحرص على الذهاب لزيارة قبرها بالمنارة صباحا و عمره الآن 66 عاما.

هل حب الأم والتعلق بها يقتصر على الصغار؟

يظن البعض أن حب الأم و التعلق بها يقتصر على الصغار فقط أو حال حياتها فقط و الأمر ليس كذلك، فما شاهدته صورة نادرة للبر في عصر العقوق حال الحياة وبعد الوفاة.

أذكر أني ذهبت مرة للمنارة في طريقي لإعطاء درس ا لأخوات بمسجد البكري و فوجئت به قادما من عمله و معه أحد المهندسين و أخذ يدعوا لها دعاءا ما سمعت مثله و هو مستقبلا القبلة-رحمها الله و أطال الله عمره-.

ولو قلت كانت أمي اعظم شخصية في حياتي و أكثر الخلق أثرا فيَ و ما رأت العين مثلها و ما رأت هي مثل نفسها فلا مغالاة في ذلك، كان خالي عامر كثيرا ما يأتي لزيارتنا وهو صاحب رأي و كلمة مسموعة و كان شديد الانبهار بأمي يحسد أبي على زواجها و يكثر من قوله كنت أتمنى أن تكون لي زوجة مثل أمكم، وكان يكثر من مشورتها و رأيها عنده لا يقاربه رأي وما رأت عيني أخا يصنع مثل ذلك مع أخته.

هل يمكن أن تحكي لنا صفحة من مرحلة الثانوية العامة و الدراسة؟

يحكي لي الأستاذ أحمد عبد الحافظ و كان يعمل مديرا بالمتحف اليوناني و يقول:

فاكر لما كنت تخطب عندنا بالجمعية الشرعية و إنت في الثانوية العامة و كنت لا تخطب إلا في الموت يدور صراع كبير في النفس عند ذكر مثل هذه المعاني و ذلك بين أمرين

الأمر الأول: يتعلق بحديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله و منهم "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه " و منهم أيضا

"رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".والإنسان متى استشعر أنه لا قيمة له و أن حياته لا وزن لها لابد و أن يسير مطأطئ الرأس مطالعا جنبات النفس و عظيم نعمة الله عليه بدلا من أن يحيى حياة الطاووس. و قد تكلم العلماء في صلاة الليل، فقالوا مع خوف الرياء إزعاج من هو بحاجة إلى الراحة و النوم فالأولى الإستسرار.

و القول الثاني أن الجهر إذا أمن على نفسه الرياء، ولأن فيه عمل أكثر فالنفع منك للآخرين لإسماعهم آيات الله و هذا موضع نظر و موطن اجتهاد و بحث و تحقيق المصلحة و دفع المضرة و المفسدة و إلا فمع مبررات تكتم الصالحات يقف في المقابل قول يوسف-عليه السلام- لعزيز مصر "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" و قول النبي-صلى الله عليه وسلم-"ألا إني أعلمكم بالله و أتقاكم له أنا أصوم و أفطر و أقوم و أنام و آكل اللحم (وفي رواية و أتزوج النساء) و من رغب عن سنتي فليس مني".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير