الشرط السادس: معرفة الثَّمَن والمُثْمَن، لأنه إن لم يَكُن معروفاً فَفِيهِ غَرَر ويُرْجَعُ في معرفَتِهِمَا _ أعني الثَّمَن والمُثْمَن _ إلى العرف، فَكُلُّ ما دَلّ على الثمن أو المثمن عُرْفاً مما فيه انتِفَاء الغَرَر صَح.
والفقهاء _ رحمهم الله _ حَصَروا ذلك بأن يكون معلوماً برؤية أو صِفَة وهذا سيأتي إن شاء تعالى في الأحاديث مناقشته وبيان الراجح فيه.
الشرط السابع: أن يكون مُنَجَّزاً، وهذا الشرط عند الحنابلة، فلو كان معلقاً فإنه لا يصح فمثلاً لو قال بعتك هذه السيارة إذا دخل شهر شعبان أَوَّل يوم من شهر شعبان يتم العقد، لا يصح؛ لأنه لا بد أن يكون البيع مُنَجَّزاً، ولو قال بعتك هذا الكتاب إذا قد م زيد من السفر لم يصح، لأنه مُعَلَّق والشرط أن يكون منجزاً، ولكن الصحيح خلاف ذلك، وأنه يصح منجزاً ويصح معلقاً على القول الراجح وتفصيله سيأتي إن شاء الله في الأحاديث.
*********
(255) _ عن عبد الله بن عمر _ رضي الله عنه _ ((إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار، مالم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)).
(256) _ وعن حكيم بن حزام _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)).
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر متفق عليه من طريق: اللَّيْث عن نَافِع عن ابن عمر وزاد فيه: ((وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) وله طرق وألفاظ أخرى في الصحيحين.
حديث حَكيمِ بن حِزَام أخرجاه متفق عليه من طريق: شُعْبَة عن قَتَادَة عن صالح أبي الخَليل عن عبداللهِ بن الحَارِث عن حكيم بن حزام _ رضي الله عنه _.
ورواه هَمَّام عن قتادة به. أخرجه البخاري.
وهو عنده أيضاً وعند مسلم من طريق هَمَّام عن أبي التَّيَّاح أنه سمع عبد الله بن الحارث يحدث عن حكيم بن حزام _ رضي الله عنه _.
ترجمة حكيم بن حزام:
هذا أول حديث يمر علينا لهذا الصحابي _ رضي الله عنه _ قال مسلم في ’’صحيحه‘‘ بعد إخراج حديثه: ((ولد حكيم في جوف الكعبة وعاش مائة وعشرين سنة))، وهو حكيم بن حزام بن خُوَيْلِد بن أسد بن عبدالعزى الأَسَدِي أبو خالد ابن أخي خديجة أم المؤمنين، فهي عمته.
أسلم يوم الفتح وحَسُنَ إسلامه، قال البخاري: في ’’تاريخه‘‘ عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام، وتعقبه الذهبي _ رحمه الله _ بقوله قلت: لم يَعِش في الإسلام إلا بِضْع وأربعين سنة.
وكان _ رضي الله عنه من سادات قريش فقيه النفس كثير العبادة عالم بالنسب.
روى عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، ومات سنة أربع وخمسين للهجرة _ رضي الله عنه وأرضاه.
مفردات الحديثين:
قوله: ((البَيِّعان بالخيار)) يعني البائع والمشتري.
قوله: ((بالخيار)) الخِيَار اسم مصدر، والمصدر (اختيار) وهو طَلَبُ خير الأمرين من إِمْضَاء العَقْد أو فَسْخِهِ، هذا تعريف الخيار.
((ما لم يتفرقا، أو قال حتى يتفرقا)) يعني بأبدانهما كما سيأتي.
((أو يخير أحدهما الآخر)) أي يقول البائع للمشتري اختر إمضاء البيع، أو يقول المشتري للبائع اختر إمضاء البيع.
((فقد وجب البيع)) أي لَزِمَ والتُزِمَ.
وقوله _ صلى الله عليه وسلم _: ((بُورِكَ لهما في بيعهما)) يعني حَلَّتِ البركة فيه ونَمَا.
((مُحِقَت بركة بيعهما)) أي ذهبت وزالت.
فِقْهُ الحديثين:
هذان الحديثان فيهما مسألة:
وهي إثبات خِيَار المجلس في البيع لكل من البائع والمشتري، وإليه ذهب الإمام أحمد في المشهور عنه، والشافعي.
قال ابن البر: (إن طائفة قبلته وجعلته أصلاً من أصول الدِّين في البيوع) وَعُمْدَتهم أحاديث الباب.
قال ابن عمر: (كانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا).
والصحابي إذا قال: (كانت السنة) تنصرف إلى من؟. سُنَّة النبي _ صلى الله عليه وسلم _.
وكذا ما ورد عن الصحابة _ رضي الله عنهم _ فقد ورد عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي بَرْزَة _ رضي الله عنهم _.
¥