وورد عن طائفة من السلف كابن المُسَيِّبْ والشَّعْبي وعطاء وطاووس والزُّهْرِي وغيرهم.
قال ابن قدامة: (وهو قول أكثر أهل العلم).
القول الثاني: أنه لا خيار للمجلس بل يلزم العقد بالإيجاب والقبول، ما هو الإيجاب وما هو القبول؟.
الإيجاب هو اللفظ الصادر من البائع.
والقبول هو اللفظ الصادر من المشتري.
يقول: (بعتك) هذا اللفظ الذي صدر من البائع، ويقول المشتري: (قَبِلْت) هذا يقال له القبول، وإليه ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثَّوْري واللَّيْث.
واستدلوا بقوله تعالى: ? يا أيَّها الذِينَ آمَنوا أَوْفوا بِالعُقُود ? وجه الاستِشْهَاد بالآية قالوا: كون المشتري بعد أن تم العَقْد يَقوم بالفَسْخ، أو كون البائع يقوم بالفَسْخ هذا خلاف الأمر بالإيفاء بالعقد، وأنه إذا لم يقع لازماً لم يتحقق وجوب الوفاء به.
لأنه عز وجل قال: ? يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ? يعني أوفوا بها لازمة.
وقاسوا البيع على النِّكَاح والخُلْع والعِتْق؛ فكما أن عقد النكاح لا يَثْبُت فيه خيار المجلس فكذلك البيع إذا تَمّ العقد تَم ولا خِيَار لهما ولا يمكن لأحدهما أن يَفْسَخ.
وأجابوا عن حديثي الباب حديث عبد الله بن عمر وحديث حكيم بن حزام بأجوبة كثيرة منها:
1. أنه حديث خَالَفَهُ راويه؛ فمن رواته الإمام مالك وقد خالفه.
2. ومن أجوبتهم أيضاً أنه خبر واحد فيما تَعُمّ بهِ البلوى.
3. ومنها أنه يُخَالِف القياس الجَلِي والأصول المقطوع بها.
4. ومنها أنه مُعَارِضٌ لإجماع أهل المدينة وعملهم.
5. ومنها أنه محمول على خيار الشرط.
المقصود أن عندهم أجوبة كثيرة لهذين الحديثين، ولكن كلها أجوبة ضعيفة، وقد ردها العلماء وأجاب عنها الشارح ابن دقيق العيد، وابن حجر في فتح الباري.
ولذا قال ابن عبدالبر: (قد أكثر المتأخرون من المالكيين، والحنفيين من الاحتجاج لمذهبهما في رد هذا الحديث بما يطول ذكره، وأكثره تَشْغِيب لا يحصل منه على شيء لا زم لا مدفع له).
وقال النووي _ رحمه الله _ في شرح مسلم لما أشار إلى رَدِّهم لهذين الحديثين قال: (هذه الأحاديث الصحيحة تَرُدَّ على هؤلاء وليس لهم عنها جواب صحيح).
فالصحيح إذاً ما دل عليه حديثا الباب.
وورد عن الصحابة _ رضوان الله عنهم.
وفي خيار المجلس مباحث:
المبحث الأول:
المراد بالتفرق في الحديث ((مالم يتفرقا)) يعني بأبدانهما.
وتعبير أهل العلم بخيار المجلس بناء على الغالب، لأن الغالب أن المتعاقدين إذا خرجا من مجلس العقد فإنهما يتفرقان بأبدانهما، وإلا فإن المراد هو التفرق بالأبدان، فلو فُرِضَ أن المتبايعين خرجا من مجلس العقد، وهما متلازمان بأبدانهما فإن الخيار لا يزال باقياً لهما، لكل واحد منهما، ويدل لهذا حديث عَمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جده أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال: ((ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) رواه أهل السُّنَن بسند حَسن.
فهذا صريح أن المراد به تفرق الأبدان.
وكذا فهم الصحابة، فقد روى مسلم في صحيحه أن ابن عمر (كان إذا بايع رجلا فأراد أن يُقِيلَهُ مشى هنية ثم رجع إليه) يعني خطوات ثم رجع إليه، فهذا فهم الصحابي للحديث على أن المراد بالتفرق؛ تفرق الأبدان.
وقيل إن المراد بالتفرق؛ تفرق الأقوال وهذا ضعيف قال الشافعي _ رحمه الله _: (هذا محال لا يجوز في اللسان).
ثم إنه يقال قبل القبول والإيجاب لم يَكُن البيع أصلاً منعقد، لم يكن بيعٌ أصلاً ولا يسمى بيع مادام لم يتم باللفظ الصادر من البائع، واللفظ الصادر من المشتري ما تم البيع، ولم يتم العقد بعد فكيف نقول حصل التفرق، لم يحصل البيع أصلاً.
المبحث الثاني: لم يُذْكَر في الحديث ضابط التفرق فيرجع فيه إلى العرف لأن القاعدة:
(أن كل ما ورد مطلقاً على لسان الشارع، فإنه يرجع في تحديده إلى العرف)
وكل ما أتى ولم يحدد بالشـ ـرع كالحرز فبالعرف احدد
فكل ما عُدَّ في العرف تَفُرّق حُكِمَ به، فمثلاً إذا كانا في بيت فبخروج أحدهما منه، وإذا كانا في غرفة فبخروجه من هذه الغرفة إلى غرفة أخرى، وإذا كانا في السطح فبنزول أحدهما إلى أسفل البيت، وإذا كانا مثلاً في الدكان فبخروجها أو بخروج أحدهما منه.
إذاً المرجع في تحديد التفرق إلى العرف.
¥