في يوم الخميس السادس عشر من ربيع الآخر لسنة ثلاث وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة الشريفة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فنستأنف مجالس التحديث بعون الله تعالى:
المسألةُ الثَّالثة والعشرُون: معرفةُ ألقاب رواته.
وهذه المسألة داخلة في النَّوع الثاني والخمسين ((الألقاب)).
في هذا الباب: الخشَّاب وهو لقبٌ على صورة النِّسبة. وكان يكره هذه النِّسبة. فهي بمثابة اللَّقب.
المسألةُ الرَّابعة والعشرُون: الحديث يدخل في باب ((المُبهمات)) وهو النَّوع التاسع والخمسون من أنواع علوم الحديث.
الحديث رواه ابن ناصرالدِّين من طريق أبي سعيد بن الأعرابي، حدَّثنا الحسن بن مُحمَّد الزَّعفراني، حدَّثنا سُفيان، عن عَمرو، عن أبي قابُوس عن عبداللَّه بن عَمرو (رضي اللَّه عنهما) يبلُغ به النَّبي (صلى الله عليه وسلم) (فذكره).
ووقع في هذه الرِّواية: ((عن أبي قابُوسَ، عن ابن لعبداللَّه بن عَمرو، عن عبداللَّه بن عَمرو)).
فقوله: ((عن ابن لعبداللَّه)) هو زيادةُ رجلٍ مُبهم، فيدخُل في النَّوع المذكور.
وهذا إنَّما وقع على سبيل الوهم والخطأ (كما تقدم) في المسألة العاشرة.
المسألةُ الخامسةُ والعِشرُون: معرفةُ ما ورد في سند الحديث من صيغٍ مُحتملةٍ للسَّماع وعدمه.
وهذه المسألة تدخلُ تحت النَّوع السَّابع والسَّتين ((المُعنعن)).
هُنا وقع الحديثُ في الرِّواية معنعنًا في قول سُفيان بن عُيينة: عن عَمرو بن دينار، عن أبي قابُوسَ، عن عبداللَّه بن عَمرو (رضي اللَّه عنهما)، أنَّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) ...
قال ابن ناصرالدِّين: ((هذا مُعنعنٌ، وقد اختُلف فيه هل يُحمل على الاتصال أو لا؟ والجمهورُ أنَّه مُتصلٌ مُحتجٌ به مع اشْتراطِ عدَالةِ الرَّاوي، وثُبوته لقَائِهِ لمن روى عنه بالعنعنة؛ وهذا موجودٌ في سُفيانَ وروايتِهِ عن عَمرٍو، ولا تضرُّ عنعنتُه هُنا وإن كان مُدلَّسًا؛ فتدليسُه التدليسُ المُبيَّن، وإنما سُمِّي المُبيَّن؛ لأنَّ المُدلِّس إذا استُفهم عنه بيَّنه.
قال أبو حاتم بن حبَّان: ولا يكادُ يوجدُ لابن عُيينةَ خبرٌ دلَّسَ فيه إلا وقد بيَّن سماعَهُ عن ثقةٍ مثل ثقته. انتهى.
ومع ذلِكَ فقد جاءت روايةٌ عن سُفيانَ، قال: حدَّثنا عمرٌو، بلفظِ التَّحديثِ بدلَ العنعنةِ، فيما رويناهُ من طريق أسعدَ بن أحمدَ بن مُحمَّد بن حيَّانَ النَّسويِّ، عن أبي صالحٍ أحمد بن عبدالملك المُؤذِّن فذكرهُ)).اهـ.
قلت: لكن هذا الإسناد فيه ضعفٌ، نبَّه عليه هُو في ((المجلس الأول)) فلا يُعتمدُ عليه إذًا في إثباتِ السَّماع. وسبق ذلك في المسألة (السَّادسة).
وقال ابن ناصر الدِّين (في موضعٍ آخر): ((فيه لفظان من ألفاظ الأداء:
أحدُهُما: ((عَنْ)) وهي مُتصلةٌ بإجماع أئمَّة النَّقل، على تورُّع رُواتِهَا عن التَّدليس، قالهُ الحاكمُ أبو عبداللَّه.
ولفظُةُ ((عَنْ)) هي أعلى من لفظَةِ ((قال)) التي هي أقلُّ عبارات الأداء مرتبةً، كما أنَّ أعلى عِبَاراتِ الأداء مرتبةً لفظةُ ((سمعتُ)).
والثَّاني: لفظَةُ ((أنَّ)) وحُكمُها حُكمُ ((عَنْ)) عند الجمهُورِ، كما حكاهُ ابنُ عبدالبر، وقال أبو بكر البرديجِيُّ: حرف ((أنَّ)) محمُولٌ على الانقطَاعِ حتَّى يتبيَّن السَّماعُ في ذلك الخبَرِ بعينه من جهةٍ أُخرى.
قال ابن عبدالبر (لمَّا حكى هذا): وعندي لا معنى لهذا. انتهى.
وقول عبداللَّه بن عَمرو: أنَّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم)، قال: فذكر الحديث.
قد جاء التصريحُ بالسَّماع من طريقٍ أُخرى، وهي قول عبداللَّه في بعض طُرق الحديث: ((وهذا أوَّلُ حديثٍ سمعتُهُ من رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) بعد خُطبةِ الودَاعِ)).
وما حكاه ابن عبدالبر عن الجمهُور يُشعر أنَّه لا فرق بين ((عَنْ)) و ((أنَّ)).
وقد عقد الخطيبُ في كتاب ((الكفاية)) بابًا للفرق بين ((أنَّ)) و ((عَنْ)) وروى عن أبي بكر الخَلاَّل قال: أخبرنا سُليمانُ بن الأشعث، قال: سمعتُ أحمدَ قيل له: إنَّ رجُلاً قال: قال عُروة: إنَّ عائشة (رضي اللَّهُ عنها) قالت: يا رسُول اللَّه.
وعن عُروة عن عائشة، سواءٌ. قال: كيف هذا سواءٌ؟! ليس هذا سواءً.
¥