ولما استوطن سوريا؛ نقل تلك الفكرة؛ فعملت جامعة دمشق على إصدار أول مؤلف من نوعه في هذا الميدان؛ وهو كتابه: "معجم فقه الظاهرية" في مجلدين باسم موسوعة الفقه الإسلامي، ثم ألف:"معجم فقه السلف: صحابة وتابعين وعترة " في تسعة أجزاء طبعتها جامعة أم القرى عام 1406.
وقد عمل – كذلك – في مجال الدعوة إلى الله تعالى في مختلف القارات الخمسة، وأسلم على يديه وبسببه جمع كبير من غير المسلمين، وألقى محاضرات كثيرة في التعريف بالإسلام والمسلمين.
كما ركز على الدعوة الإسلامية في الأندلس (إسبانيا)، غير أن الكبر أصابه، وتكاثرت الابتلاآت عليه، فقام بعمله نجله والدنا الإمام الداعية العلامة الشهيد الدكتور مولاي علي بن المنتصر الكتاني – رحمه الله تعالى – فقام بذلك أتم قيام وأفضله، جزاهما الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وتقديرا من الأندلسيين للمترجم – رحمه الله تعالى - سمت حكومة مدينة قسطلة الأندلسية الشارع الرئيس بها باسمه؛ تقديرا لجهوده في إرجاع القومية والهوية الأندلسية إلى الشعب الأندلسي.
وأعماله العلمية والوطنية كثيرة جدا يخطئها الحصر، كل ذلك حملا لهموم الأمة الإسلامية، محاولة لإخراجها من ربقتي الجهل والظلم، على مبدأ العلم والجهاد الذي هو – كما ذكر في مقدمة كتابه "فتية طارق والغافقي" – كجناحي طائر لا يطير إذا فقد أحدهما.
حاله وأفكاره:
كان – رحمه الله تعالى – إماما من أئمة العصر؛ ذا فكر وقاد، وعقل راجح كبير، وفكرة سديدة، وذكاء مفرط، وهمة عالية، وشخصية متميزة ...
كان في أصول الدين والمذاهب الإسلامية القديمة والمعاصرة، والتيارات الفكرية العصرية؛ حذام أخبارها المصدق، وعذيقها المرجب، بحيث إليه المرجع في ذلك كله.
أما التفسير؛ فقد كان عالما بارعا فيه، تم له تفسير القرآن الكريم بالحرم المكي الشريف مسجل كله على الأشرطة، ثم كتب تفسيرا أتم منه أربعة مجلدات. عارفا للناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه ... وغير ذلك من فنون التفسير، علاوة على التفسير الإشاري للقرآن الكريم.
وفي أصول الفقه؛ كان علامة متمكنا، عارفا بمدارسه واختلافهم واتفاقهم، ومدى استنباطهم، وتطبيق الأصول على الفروع.
وكان – رحمه الله تعالى – وعاء من أوعية الفقه؛ اطلع على المذاهب الأربعة وأقوال أئمتها، والمقارنة بين أقوالهم، واستدلال كل فريق منهم. مع الاطلاع على أقوال الأئمة من المجتهدين المتقدمين والمتأخرين، والاطلاع على فقه الظاهرية والتبحر فيه؛ حتى إنه كان يستدل لبعض مسائلهم بأدلة لم يستدلوا هم بها – كما في الجزء 54 من مذكراته العلمية، مع الرجوع إلى أئمة مشايخه كقاضي فاس أبي عبد الله السائح – رحمه الله تعالى.
وقد كان – بالرغم من ذلك – ينتسب إلى مذهب الإمام مالك، وقد درسه على أئمته من أهل فاس ومصر، وذكر لنا أن أصحابه من آل ابن الصديق الغماريين دعوه إلى ترك التمذهب كلية، والاجتهاد؛ فلما أراد ذلك؛ وجد أن المسألة ليست بالسهلة، فترك ذلك وعاد إلى المذهب. لأن الخلاف ليس في مسائل الصلاة والصيام والعبادات فقط؛ إنمامنهج متكامل في العبادات والمعاملات وغيرها من سائر قوانين الحياة. غير أنه كان يرجع إلى الدليل ويخالف مشهور المذهب إن تبين له ذلك، طبقا للأصول والقواعد المذهبية. ثم بعد ذلك ذكر لنا أنه يأخذ من الكتاب والسنة اجتهادا مباشرة، وأنه لا مالكي ولا ظاهري!.
أما علم الحديث؛ فقد كان فارسا من فرسانه، حافظا من حفاظ الحديث في عصره، بحرا لا تكدره الدلاء، مطلعا على طرق الأسانيد، حافظا لتراجم رجالها. وقد قال لي تلميذه العالم الأجل الشريف محمد يحظي الشنقيطي بالحرم المكي: ((إن جدك يعرف رجال الحديث كما يعرف أبناءه، لا أقول: أصحابه، إنما: أبناءه!)). وأثنى لي العلامة الشريف محمد (الكتاني) بن عبد الهادي المنوني – رحمه الله تعالى – على علم سيدنا الجد؛ خاصة في علم الحديث الذي لم يوجد من يتقنه كإتقانه بين أقرانه بفاس والمغرب، وقال لي: ((إن جدك كان محسودا!)).
¥