[وأمَّا الإجَازة للطِّفل الَّذي لا يُميِّز فصحيحةٌ, على الصَّحيح, الَّذي قطعَ به القاضي أبو الطَّيب والخطيب] ولا يُعتبر فيه سِنٌّ ولا غيرهُ [خِلافًا لبعضهم] حيث قال: لا يصح, كما لا يصح سماعه, ولمَّا ذكر ذلك لأبي الطَّيب قال: يصح أن يُجيز للغائب, ولا يصح سماعهُ.
قال الخطيب: وعلى الجَوَاز كافة شُيوخنا, واحتجَّ له بأنَّها إبَاحة المُجيز, للمُجَاز له أن يروى عنه, والإباحة تصح للعاقل ولغيره.
قال ابن الصَّلاح (839): كأنَّهم رأوا الطِّفل أهلاً لتحمُّل هذا النَّوع, ليؤدي به بعد حُصول الأهلية, لبقاء الإسْنَاد, وأمَّا المُميِّز فلا خلاف في صحَّة الإجَازة له.
تنبيه:
أدمجَ المُصنِّف كابن الصَّلاح مَسْألة الطِّفل في ضرب الإجَازة للمعدُوم, وأفردهَا القَسْطلاني بنوع, وكذا العِرَاقي, وضمَّ إليها الإجَازة للمجنُون, والكافر, والحمل.
فأمَّا المجنُون فالإجَازة له صحيحة, وقد تقدَّم ذلك في كلام الخطيب.
وأمَّا الكافر فقال: لم أجد فيه نقلاً, وقد تقدَّم أنَّ سَماعهُ صحيح, قال: ولَمْ أجد عن أحد من المُتقدِّمين والمتأخِّرين الإجَازة للكافر, إلاَّ أنَّ شخصًا من الأطباء يُقَال له مُحمَّد بن عبد السَّيد, سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله الصُّوري, وكتب اسمهُ في الطَّبقة مع السَّامعين, وأجَاز الصُّوري لهم, وهو من جُملتهم, وكان ذلك بحضُور المِزِّي, فلولا أنَّه يرى جَوَاز ذلك ما أقرَّ عليه, ثمَّ هدى الله هذا اليهودي إلى الإسْلام, وحدَّث وسمع منه أصحابنا.
قال: والفاسق والمُبْتدع أولى بالإجَازة من الكافر, ويؤديان إذا زالَ المانع.
قال: وأمَّا الحمل, فلم أجد فيه نقلاً, إلاَّ أنَّ الخَطِيب قال: لم نرهم أجَازُوا لمن لم يَكُن مولودًا في الحال, ولم يتعرَّض لكونه إذَا وقع يصح أولا.
قال: ولا شكَّ أنَّه أوْلَى بالصحَّة من المعدُوم.
قال: وقد رأيتُ شيخنَا العلائي سُئل لحمل مع أبويه فأجَاز, واحترز أبو الثناء المِنْبجي, فكتبَ أجزتُ للمُسْلمين فيه.
قال: ومن عَمَّم الإجَازة للحمل وغيره أعلم وأحفظ وأتقن, إلاَّ أنَّه قد يُقَال لعلَّه ما تصفح أسماء الاسْتدعاء حتَّى يعلم هل فيه حمل أم لا, إلاَّ أنَّ الغَالب أنَّ أهل الحديث لا يُجيزون إلاَّ بعد تصفحهم.
قال: ويَنْبغي بناء الحُكْم فيه على الخِلاف في أنَّ الحمل هل يُعلم أو لا؟ فإن قُلنا يُعلم وهو الأصح صحَّت الإجَازة له, وإن قُلنا لا يُعلم, فيَكُون كالإجَازة للمعدُوم. انتهى.
وذكر ولدهُ الحافظ ولي الدِّين أبو زُرْعة في فَتَاويه المَكية, وهي أجْوبة أسئلة, سألهُ عنها الحافظ أبو الفَضْل الهَاشمي أنَّ الجَوَاز فيما بعد نفخ الرُّوح أوْلَى, وأنَّها قبل نفخ الرُّوح مُرتبة مُتوسطة بينها وبين الإجَازة للمعدُوم, فهي أوْلَى بالمَنْع من الأولى وبالجَوَاز من الثَّانية.
السَّادس: إجَازةُ ما لم يتحمَّلهُ المُجيز بوجهٍٍ, ليرويهُ المُجَاز إذَا تحمَّلهُ المُجيز, قال القَاضي عياض: لَمْ أرَ من تكلَّم فيهِ, ورأيتُ بعضَ المُتأخِّرين يَصْنعونهُ, ثمَّ حَكَى عن قَاضي قُرْطُبة أبي الوَليدِ مَنْع ذلك, قال عياض: وهو الصَّحيح, وهذا هو الصَّوابُ.
[السَّادس: إجَازة ما لم يتحمَّله المُجيز بوجه] من سماع أو إجازة [ليرويهُ المُجَاز] له [إذا تحمَّله المُجيز, قال القاضي عياض] في كتابه «الإلماع»: هذا [لم أر من تكلَّم فيه] من المشايخ.
قال: [ورأيتُ بعض المتأخِّرين] والعصريين [يصنعونه, ثمَّ حكى عن قاضي قُرطبة أبي الوَليد] يُونس بن مغيث [منع ذلك] لما سأله وقال: يُعطيك ما لم يأخذ؟ هذا مُحَال.
[قال عياض: و] هذا [هو الصَّحيح] فإنَّه يُجيز ما لا خبر عنده منه, ويأذن له بالتَّحديث بما لم يحدث به, ويُبيح ما لم يعلم هل يصح له الإذن فيه.
قال المُصنِّف: [وهذا هو الصَّواب].
قال ابن الصَّلاح (840): وسَواء قُلنا: إنَّ الإجَازة في حُكم الإخبار بالمُجَاز جُملة أو إذن, إذ لا يُجيز بما لا خبر عندهُ منهُ, ولا يُؤذن فيما لم يملكهُ الآذن بعد, كالإذن في بَيْع ما لم يملكه, وكذا قال القَسْطلاني: الأصح البُطْلان, فإنَّ ما رواهُ داخلٌ في دائرة حصر العلم بأصله, بخلاف ما لم يروه, فإنَّه لم يَنْحصر.
¥