فَعَلَى هذا يَتعيَّنُ على من أرادَ أنْ يروي عن شيخٍ أجَاز له جميع مَسْمُوعاته أن يبحثَ حتَّى يعلم أنَّ هَذَا مِمَّا تحمَّلهُ شيخهُ قبل الإجَازة, وأمَّا قولُهُ: أجزتُ لكَ ما صحَّ, أو يصح عندكَ من مَسْمُوعَاتي, فصحيحٌ تَجُوزُ الرِّواية به لِمَا صحَّ عندهُ سماعُهُ له قبل الإجَازة, وفعلهُ الدَّارقُطني وغيرهُ.
السَّابع: إجَازةُ المُجَاز, كأجزتُكَ مُجَازاتي, فمنعهُ بعضُ من لا يُعتدُّ بهِ.
قال المُصنِّف كابن الصَّلاح [فعلى هذا يتعيَّن على من أرادَ أن يروي عن شيخ أجَاز له جميع مَسْمُوعاته أن يبحث حتَّى يعلم أنَّ هذا مِمَّا تحملهُ شيخه قبل الإجَازة] له.
[وأمَّا قوله: أجزتُ لك ما صحَّ, أو يصح عندكَ من مسموعاتي, فصحيحٌ تجوز الرِّواية به, لما صحَّ عنده] بعد الإجَازة [سماعهُ له قبل الإجَازة, وفعله الدَّارقُطْني وغيره].
قال العِرَاقي: وكذا لو لم يَقُل ويصح, فإنَّ المُرَاد بقوله: ما صحَّ حال الرِّواية, لا الإجَازة.
[السَّابع: إجَازة المُجَاز, كأجزتك مُجَازاتي] أو جميع ما أجيز روايته [فمنعهُ بعض من لا يعتد به] وهو الحافظ أبو البركات عبد الوهَّاب بن المُبَارك الأنْمَاطي شيخ ابن الجَوْزي, وصنَّف في ذلك جُزءًا, لأنَّ الإجَازة ضعيفة فيقوَّى الضعف باجتماع إجَازتين.
والصَّحيح الَّذي عليهِ العمل جَوَازُه, وبه قطعَ الحُفَّاظ الدَّارقُطْني, وابن عُقْدة, وأبو نُعيم, وأبو الفَتْح نَصْر المَقْدسي, وكان أبو الفَتْح يروي بالإجَازة عن الإجَازة, وربَّما والَى بين ثلاثٍ, وينبغي للرَّاوي بها تأمُّلهَا, لئلاَّ يروي ما لم يدخُل تحتَهَا, فإن كَانت إجَازةُ شَيخِ شَيْخهِ: أجزتُ له ما صحَّ عندهُ من سَمَاعي, فرأى سَمَاعَ شيخِ شَيْخهِ, فليسَ لهُ روايتهُ عن شيخهِ عنهُ, حتَّى يَعرفَ أنَّه صحَّ عندَ شيخهِ كونهُ من مَسْموعات شَيْخهِ.
[والصَّحيح الَّذي عليه العمل جَوَازه, وبه قطع الحُفَّاظ] أبو الحسن [الدَّارقُطْني و] أبو العَّباس [ابن عُقْدة, وأبو نُعيم] الأصْبَهاني [وأبو الفتح نصر المَقْدسي] وفعله الحاكم, وادَّعى ابن طاهر الاتِّفاق عليه.
وكان [أبو الفتح] نصر المَقْدسي [يروي بالإجَازة عن الإجَازة, وربَّما والَى بين ثلاث] إجَازات, وكذلك الحافظ أبو الفتح بن أبي الفَوَارس, والَى بين ثلاث إجَازات, ووالَى الرَّافعي في أمَاليه بين أرْبع أجَائز, والحافظ قُطْب الدِّين الحَلَبي بين خَمْس أجَائز في «تاريخ مصر» وشيخ الإسْلام في أماليه بين ست.
[وينبغي للرَّاوي بها] أي بالإجَازة عن الإجَازة [تأمُّلها] أي تأمَّل كيفية إجَازة شيخ شيخه لشيخه, ومُقْتضَاها [لئلا يروي] بها [ما لم يدخُل تحتها] فربَّما قيَّدها بعضهم بما صحَّ عند المُجَاز لهُ أو بما سمعهُ المُجِيز ونحو ذلك.
[فإن كانت إجَازةُ شيخ شيخه: أجزتُ له ما صحَّ عنده من سَمَاعي, فرأى سماع شيخ شيخه, فليس له روايته عن شيخه عنهُ, حتَّى يعرف أنَّه صحَّ عند شيخه, كونه من مسموعات شيخه] وكذا إن قيَّدها بما سمعهُ لم يعتد إلى مُجَازاته وقد زلَّ غير واحد من الأئمة بسبب ذلك.
قال العِرَاقي: وكان ابن دقيق العيد لا يُجيز رِوَاية سماعه كله, بل يُقيده بما حدَّث به من مَسْموعاته, هكذا رأيتهُ بخطِّه, ولم أر له إجَازة تَشْتمل مسموعه, وذلك أنَّه كان شك في بعض سَمَاعاته, فلم يُحدِّث به ولم يُجزه, وهو سَمَاعه على ابن المُقير, فمن حدَّث عنهُ بإجَازته منهُ بشيء مِمَّا حدَّث به من مَسْمُوعاته فهو غير صحيح.
قلتُ: لكنَّه كان يُجيز مع ذلكَ جميع ما أُجيز له, كما رأيتهُ بخط أبي حيَّان في النضار, فعلَى هذا لا تتقيَّد الرِّواية عنهُ بما حدَّث به من مَسْمُوعاته فقط, إذ يدخل الباقي فيما أُجيز له.
فَرْعٌ: قال أبو الحُسين بن فَارس: الإجَازةُ مَأخُوذةٌ من جَوَاز المَاء الَّذي تُسْقاهُ المَاشيةُ والحَرْثُ, يُقَال: اسْتجزتهُ فأجَازَني, إذَا أسْقَاكَ ماء لماشيتكَ وأرضكَ, كذا طالبُ العلم يَسْتجيزُ العَالمَ عِلْمهُ فيُجيزهُ, فعلى هذا يَجُوز أن يُقَال: أجزتُ فُلانًا مَسْمُوعَاتي, ومن جعلَ الإجَازةَ إذْنًا - وهو المعروف - يقول: أجَزتُ لهُ رِوَاية مَسْمُوعاتي.
¥