توفي الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وكان كبير علماء الرياض بل نجد وقد أوصى الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن رحمه الله عند وفاته بالشيخ محمد بن إبراهيم، متوسمًا أنه سيكون له شأن، وكان الشيخ محمد إذ ذاك ابن 28 سنة، فقبل الملك الوصية، وكان الشيخ محمد ينوب عن الشيخ عبد الله في إمامة مسجده في آخر أيامه، فلما توفي لم يصل الشيخ محمد، وكان مما بلغني أنه قال: إن هذه وظيفة شرعية وكان صاحبها منيبًا لي فلما توفي فلا وكالة، وهي راجعة إلى الإمام، فلم يصل بالمسجد حتى أتاه تكليف بذلك من الإمام وهو الملك عبد العزيز رفع الله درجته ووفق عقبه.
وتلك كانت بداية فقه وريادة وعقل وقيادة.
صار الشيخ محمد إمامًا لمسجد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المعروف في حي دخنة بالرياض – وهو المسمى الآن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم – فابتدأ فيه بعض الدروس العلمية، في مختصرات التوحيد ونحوها، وكانت دروسه تزداد في قوتها ومنهجيتها، حتى بلغت أوجها فيما بين سنة 1350هـ – 1370هـ، والسنون العشر الأخيرة متميزة بقوةٍ علمية أبهرت الناس إذ ذاك، ولم يزل على دروسه حتى سنيه الأخيرة من عمره المبارك رحمه الله رحمة واسعة.
وقد ذكر تلامذة الشيخ رحمه الله وصفًا لدروسه، فقال الشيخ محمد بن العلامة عبد الرحمن بن قاسم: " كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة:
فالأولى: بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس
والثانية: بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأربع ساعات.
والثالثة: بعد صلاة العصر.
وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة، وهي بعد صلاة الظهر .. "
قال ابن قاسم:
" كان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر، ومنها: الروض المربع، وسبل السلام، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع.
وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها:
1 – بعد صلاة الفجر: ألفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل، وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع، وبلوغ المرام والآجرومية والملحة وقطر الندى، وأصول الأحكام والحموية والتدمرية ونخبة الفكر.
الثلاثة الأول مستمرة وكان يقوم بتدريسها على ترتيبها المذكور أما في باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه.
2 – بعد شروق الشمس: يدرِّس في العقائد كتاب التوحيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، العقيدة الواسطية باستمرار، مسائل التوحيد مسائل الجاهلية، لمعة الاعتقاد، أصول الإيمان على فترات، وفي الحديث: الأربعين النووية، عمدة الأحكام باستمرار، وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة، وقد يُدرِّس غيرها، لكنه نادر.
وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأ المطولات ومنها: فتح المجيد، شرح الطحاوية، شرح الأربعين النووية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأربعة، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون استثناء، وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا.
3 – بعد صلاة الظهر، ويدرس فيه: زاد المستقنع بشرحه، وبلوغ المرام.
4 – بعد صلاة العصر، ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه، وقد يقرأ في مسند الإمام أحمد، أو مصنف ابن أبي شيبة، أو الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، أو نحوها " اهـ ما وصفه الشيخ ابن قاسم.
وهذا الوصف يمثل فترة من عمر الشيخ وهي في الغالب ما بعد الستين، وقد ذكر لي بعض طلبة الشيخ أن تحضيره للدروس كان بعد العشاء، وبعد المغرب ربما قرىء عليه في كتب خاصة لا يحب أن يسمعها كل أحد، فقد حدثني الشيخ حسن بن مانع أن الشيخ محمدًا اختصه بحضورٍ بعد المغرب، قال: فكان يقرأ عليه في (معجم الأدباء) لياقوت الحموي.
والأخبار عن دروسه كثيرة لكن اخترت كلام الشيخ ابن قاسم لأنه يمثل وصفًا جيدًا لفترة سنين من عمر الشيخ رحمه الله.
وهذه المنهجية في التدريس هي التي تخرج العلماء، حفظ للمتون وبيان وشرح لها، وضبط للأصول، ومعرفة الأدلة، فبهذا تبنى القواعد العلمية الراسخة للمتعلمين، أما القراءة في المطولات دون إحكام للأصول والمتون فعلى أي أس تبنى، وعلى أي قاعدة ترفع.
¥