المهم، سافرتُ هناك في رمضان المذكور، ولم أكن أعرف في حضرموت أحداً، إلا ما سمعته من الأخ الشيخ عمر النشوقاتي الدمشقي وفقه الله عن الشيخ باذيب من معرفته بمشايخ بلده، ولما سألتُ عنه في جامعة الأحقاف تبيّن أنه عاد إلى جدة في نفس الطائرة التي قدمتُ بها إلى سيؤون!
ولكن وفق الله لي شاباً كريماً، وهو السيد الفاضل الحبيب محمد ابن منصب سيؤون علي الحبشي، فأكرمني وأضافني هو وإخوانه الكرام، وساعدني في زيارة المشايخ والبحث عنهم في حضرموت، وما أزال داعياً له بالتوفيق والسداد.
وبعد البحث والتنقيب المضني لم أجد على شرطي إلا اثنين عاصرا أبا النصر، وهما السيدة علوية، وعمرها المحقق آنذاك 97 سنة، والسيد محضار، وعمره 98 سنة إلا ثلاثة أشهر، كما كتب لي بخطه، واستجزتُ منهما لنفسي ولعدد كبير، بعد أن أفهمتهما معنى الإجازة كتابة ولفظاً، وعرّفتُهما كيفية دخولهما في إجازة السيد أبي النصر، وأخذتُ منهما توكيلا بالإجازة، وكان معي السيد محمد بن علي وإخوانه، وبعض أقارب كلا المجيزَين.
وبعد مدة من عودتي إلى لرياض، ثم ذهابي إلى دمشق، أطلعني الأخ الشيخ النشوقاتي على استجازة الشيخ باذيب من السيد محضار، وتاريخ الإجازة بعد رجوعي من حضرموت.
وكأن في ذاكرتي أنني سألتُ الأخ النشوقاتي: ولماذا لم تستجيزوا من علوية أيضا؟ فكأن الجواب كان أن من استجاز له لم يصل إليها بعد، بخلاف السيد محضار.
بعد ذلك رغب عدد من المعتنين -من السلفيين وغيرهم- أن أجيزهم بهذا التوكيل ليعلو إسنادهم درجة، ومن هؤلاء بعض من يترصد لي ويعاديني بشدة! مثل الأستاذ محمد الرشيد هداه الله، حيث أرسل في سبيل ذلك واسطة له ولأولاده، ولو شئتُ لسمّيت الواسطة.
وإلى وقتٍ لم يكن الخبر ذائعاً بين عامة الناس.
ثم انتشر الخبر واشتهر لما طُبع معجم المعاجم والمشيخات للدكتور المرعشلي وفقه الله، فمنه عرف الناس علوّ الرواية، وأن التوكيل عندي، وكثر طلب الناس لهذا التوكيل (وغيره) مني، وزاد الأمر أن بعض الإخوة وضع رقم هاتفي على شبكة الإنترنت لهذا الغرض، وكُتب في ذلك أكثر من موضوع في ملتقى أهل الحديث بالذات، وربما غيره، ثم صدر كتابي فتح الجليل وذكرتُ فيه هذه الرواية، وزاد اشتهار الخبر .. وهكذا شاع الأمر!
هذه هي روايتي للقصة، وأشرع بعدها في الكلام على النقاط الواردة أعلاه، مقدِّماً قوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
النقطة الأولى: ما يتعلق بإجازة أبي النصر الخطيب لآل الحبشي وصحتها.
قلتَ رعاك الله: "كثر التساؤل عن رواية السيدة الشريفة علوية الحبشي عن السيد أبي النصر الخطيب المتوفى سنة 1324هـ الذي زعم بعض طلبة العلم أنه أجاز لعموم آل الحبشي".
أقول: الذي زعم ذلك ليس بعض طلبة العلم، وإنما هو مؤرخ مكة ومسندها الشيخ عبد الستار الدهلوي، ونص على ذلك بخطه.
وقلت وفقك الله: "وبعد مدة من الزمن، تبين لي حقيقة وجلية موضوع الرواية عن أبي النصر الخطيب، فإذا هي لاتصح عن طريق معمري آل الحبشي المعاصرين، فقد رايت ترجمة أبي النصر التي كتبها الشيخ عبدالستار الدهلوي، فإذا الإجازة من أبي النصر للحبيب حسين الحبشي وذويه، وقد قال صاحب القاموس: .. وذوو الرجل عند الفقهاء هم بنوه وذريته، وهل يدخل فيهم إخوته وأقاربه الذين هم من درجة أبيه؟ لا يدخلون، فكيف بمن لا يلتقي معهم في النسب إلا في الجد الرابع أو الخامس، كما هو الحال في الحبيب محضار والشريفة علوية، أو الحبيب أحمد بن هاشم؟؟ ". الخ.
قلت: في كلامك هذا ملاحظات عدة:
فيجب علينا أولا أن ننظر في النص، ونتأكد منه، ثم نتفهمه جيدا قبل الاعتراض، وليس الأمر هنا مسألة لغوية صرفة لتُردَّ إلى اللغة، بل المرجع عُرْفُ أهل الرواية ومقصدهم، وهم يقصدون بالذوي الأقارب عموماً والذرية، هذا بشكل عام، ولا حاجة للاجتهاد في مورد النص، فبمراجعته يظهر أنه اشتبه عليك النص بآخر، أو رجعتَ للذاكرة، فهذا هو نص عبد الستار الدهلوي نقلاً عن ترجمته لشيخه أبي النصر الخطيب بخطه، فقال: " هذا وإن المترجم شيخنا السيد أبا النصر قد أجاز آل السيد الحبشي، لا سيما السيد حسين الحبشي، وأولاده، وأولاد أولادهم، الموجودين ومن لم يوجدوا".
¥