وعذبوه هو وأصحابه. وممن عُرف بالحِلم علي بن أبي طالب والأحنف بن قيس وعمر بن عبد العزيز. والحليم لا يغضبه شيء إلا الاعتداء على حرمات الله تعالى ولا يكون الحليم حليماً إلا وقد مرّ بعدة صفات ومواصفات من منظومة حسن الخلق فكل حليم صابر كاظم لغيظه عفو يصفح عن الناس لكن قد يكون الإنسان صابراً ولا يكون حليماً فالحِلم جمع الخلق الحسن ومن بلغ مرحلة الحِلم فقد فاز ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب: الحِلم سيد الأخلاق. والحِلم لا يكون إلا مع القدرة لأن غير القادر إذا حلم فحلمه يسمى جبناً. والله تعالى هو الغني الحليم والعليم الحليم. قد يكون الإنسان حليماً على غيره لكنه جاهل بوقائع الأمور ومدى تعدي المجرم فيسكت لكن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ومع هذا فهو حليم على عباده فالرجل الذي قتل مئة نفس الله تعالى وحده يعلم مدى جرم هذا الإنسان ومع هذا ومن حلمه سبحانه وتعالى غفر للقاتل بمجرد أن تاب واستغفر ربه فتاب الله تعالى عليه. وملوك الأرض عندما يكونون على حلم تنقاد لهم شعوبهم طواعية عندما سُئل الأحنف بن قيس لم أنت حليم هكذا؟ قال: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال. وشدة الحلم أعظم درس في التربية.
حِلم الله تعالى:
رب العالمين القوي الجبار المتكبر يستر ذنوب عباده مهما بلغت ويأخذ عبده المذنب يوم القيامة في كنفه فيسأله ألم تفعل كذا في الدنيا وسترتها عليك؟ فيقول العبد أجل يا رب فيقول سبحانه وأسترها عليك وأغفرها لك اليوم وهو تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فكم يذنب المرء وكم تحدثه نفسه بالمعاصي والشهوات ومع علم الله تعالى بكل هذه الأحاديث لا يحاسب عليها إلا أن يفعلها الإنسان وحتى لو فعلها ثم تاب واستغفر ربه يغفر الله تعالى له.
ومن حلم الله تعالى حلمه على فرعون الذي ادعى أنه الإله ومع هذا أرسل الله تعالى له نبيين وأوصاهما بأن يقولا له قولاً ليناً. [فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى]
ومن حلمه تعالى أنه لو بلغت ذنوب العبد ما بلغت يغفرها الله تعالى له كما جاء في الحديث القدسي" عبدي لو جئتني بقراب الأرض ذنوبا لا تشرك بي شيئا بقرابها جئتك بقرابها مغفرة" ...
فبمجرد أن يكون الإنسان موحداً يغفر الله تعالى له (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). والمشرك هو الذي يخرج نفسه من دائرة الإنسانية فكل المخلوقات التي خلقها الله تعالى تسبح له والإنسان الذي أسجد تعالى له ملائكته وأعطاه عقلاً استنباطياً فكفر بالله تعالى يكون من العدل أن لا يغفر الله تعالى له لأنه أخرج نفسه من دائرة الإنسانية التي كرّمه تعالى بها ودخل في بهيمية.
ومن حلمه سبحانه وتعالى أنه يبدل السيئات حسنات فإذا تاب المذنب يبدل الله تعالى سيئاته حسنات.
[إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً] الفرقان70
قالوا في الحِلم:
من حلِم ساد. ومن عفا عظم ومن تجاوز استمال القلوب إليه. سئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟
قال وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال.
لا سؤدد مع الانتقام فمن انتقم فقد شفي غيظه فلا يجب حمده.
شدة الحلم تزيد في العمر فالحليم يطول عمره لأن الغليان والحقد يقصر العمر أما الحليم فيبقى صحيح الجسم ويطول عمره.
الحلم هو ضبط النفس عند الغضب، والصبر على الأذى، من غير ضعف ولا عجز ابتغاء وجه الله تعالى
وتتفاوت قدرات الناس في ضبط النفس، والصبر على الأذى،فمنهم من يكون سريع الانفعال ويقابل الأذى دون النظر في العواقب، ومنهم من يتمالك نفسه، ويكبح جماح غضبه ويتحلى بالصبر والحلم ويتلمس الأعذار والمبررات لمن أساء إليه، وهذا هو الرجل الحليم
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه رضوان الله عليهم بالتحلي بالحلم في تعاملهم، ويحثهم عليه بنفس القدر الذي يحثهم على طلب العلم وكان مع ما أعطاه الله من خلق عظيم وصفات حميدة يدعو الله بأن يجعل الحلم زينة له فيقول: (اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجملني بالعافية)
¥