تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن قال بالثاني قال: مقتضى الدليل قتل كل كافر، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان قادراً على القتال أو عاجزاً عنه، وسواء سالمنا أو حاربنا. لكن شرط العقوبة بالقتل أن يكون بالغاً، فالصبيان لا يقتلون لذلك. وأما النساء فمقتضى الدليل قتلهن، لكن لم يقتلن لأنهن يصرن سبياً بنفس الاستيلاء عليهن، فلم يقتلن لكونهن مالاً للمسلمين كما لا تهدم المساكن إذا ملكت.

وعلى هذا القول: يقتل الرهبان وغير الرهبان لوجود الكفر. وذلك أن الله علق القتل لكونه مشركاً بقوله (فاقتلوا المشركين) فيجب قتل كل مشرك، كما تحرم ذبيحته ومناكحته لمجرد الشرك. وكما يجب قتل كل من بَدَّلَ دينه لكونه بدله، وإن لم يكن من أهل القتال، كالرهبان. وهذا لا نزاع فيه. وإنما النزاع في المرأة المرتدة خاصة.

وقول الجمهور: هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار" انتهى كلام شيخ الإسلام، (ص 116، من طبعة الفقي).

وقد رد –رحمه الله- على هذا القول الضعيف في رسائله الأخرى بما يوافق ما في هذه الرسالة لمن تأمله. فلا جديد فيها!

ومن أصرح ذلك وأوضحه ما ذكره في "السياسة الشرعية". يقول –رحمه الله-: "إذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة؛ كالنساء والصبيان، والراهب والشيخ الكبير، والأعمى والزَمِن (3)، ونحوهم، فلا يُقتل عند جمهور العلماء إلا أن يُقَاتِل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر، إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين. والأول هو الصواب؛ لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله…" (4) –إلى أن قال متعرضاً للرد على ذاك القول الضعيف-: "ولهذا أوجبت الشريعة قتل الكفار، ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم، بل إذا أُسر الرجل منهم في القتال، أو غير القتال؛ مثل أن تلقيه السفينة إلينا، أو يضل الطريق، أو يؤخذ بحيلة؛ فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح؛ من قتله أو استعباده، أو المن عليه، أو مفاداته بمال أو نفس، عند أكثر الفقهاء، كما دل عليه الكتاب والسنة" (5).

قلت: ففي هذا النص المهم ما يجلي حقيقة تلك الرسالة، ويبين أنها أنشئت للرد على هذا القول الفقهي الضعيف الذي يرى قتل الكفار لمجرد كفرهم دون استثناء إلا للنساء والصبيان فقط –كما سبق-، وهو ما رده شيخ الإسلام وبين مخالفته للكتاب والسنة سواء في تلك الرسالة أو في هذا الموضع من "السياسة الشرعية" أو في مواضع أخرى من "الفتاوى" -كما سيأتي إن شاء الله-.

ويبين هذا النص أيضاً أن شيخ الإسلام مع رده على ذاك القول الضعيف فإنه لا ينكر –كما يزعم البعض- شرعية جهاد "الطلب"! وحاشاه من ذلك، وهو أمر مقرر بالنصوص ومجمع عليه بين العلماء (6)، ولهذا قال –كما سبق- "فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين". وهذا الجهاد إنما يكون "لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله".

ومن المواضع التي رد فيها الشيخ –رحمه الله- على هذا القول الفقهي الضعيف بما يوافق الرسالة المنسوبة إليه ما جاء في الفتاوى (28/ 659 - 661) عندما سئل عن الرهبان فأجاب بقوله: " .. إنما نهي عن قتل هؤلاء؛ لأنهم قوم منقطعون عن الناس، محبوسون في الصوامع، يسمى أحدهم حبيسًا، لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلاً، ولا يخالطونهم في دنياهم، ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به. فتنازع العلماء في قتلهم؛ كتنازعهم في قتل من لا يضر المسلمين لا بيده ولا لسانه؛ كالأعمى والزَمِن، والشيخ الكبير ونحوه؛ كالنساء والصبيان. فالجمهور يقولون: لا يُقتل إلا من كان من المعاونين لهم على القتال في الجملة، وإلا كان كالنساء والصبيان، ومنهم من يقول: بل مجرد الكفر هو المبيح للقتل، وإنما استثنى النساء والصبيان؛ لأنهم أموال .. "

وانظر أيضاً: "الفتاوى" (20/ 101 - 103).

فلا جديد في الرسالة المنسوبة لشيخ الإسلام! فقد تعرض له كثيرًا في رسائله الأخرى بتوضيح لو تأمله من طار فرحاً برسالته لعلم أنه في وادٍ والشيخ في وادٍ آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير