قصر الجهاد في الإسلام على جهاد "الدفع" فقط هو مما أثارته المدرسة العصرانية الحديثة منذ الأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهما؛ نتيجة صدمتهم وانهزامهم أمام الحضارة الغربية التي ألجأتهم إلى تبني بعض الأقوال الشاذة تحرجًا من أحكام الله التي لا يرضاها أعداء الإسلام؛ ومن ضمنها أحكام الجهاد.
ثم تعاقب تلاميذ هذه المدرسة والمتأثرون بها على نشر هذا القول الشاذ وإشاعته بين المسلمين.
انظر على سبيل المثال: "رسالة التوحيد" لمحمد عبده (ص 235)، و"فتاوى رشيد رضا" (ص 892، 1155)، و"القرآن والقتال" لمحمود شلتوت (ص126)، و"الدولة الإسلامية .. " لمحمد عمارة (ص 136)، و"آثار الحرب في الفقه الإسلامي" لوهبة الزحيلي (ص110) و"الجهاد في الإسلام – كيف نفهمه؟ " للبوطي (ص 94 وما بعدها)،… وغيرها من كتب العصرانيين.
وبعضهم قد اتكأ على الرسالة المنسوبة لشيخ الإسلام وفرح بها؛ كالشيخ عبد الله المحمود في رسالته "الجهاد المشروع في الإسلام"، ومحمد أبو زهرة في كتابه عن "ابن تيمية"، وصاحب رسالة "الفريضة المفترى عليها" (ص 364 - 369).
وانظر للرد عليهم بالتفصيل: رسالة الشيخ علي العلياني "أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية" (ص 318 - 349). و"ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد" لعبد الملك البراك، (ص 33 - 163). و"الجهاد والقتال في السياسة الشرعية" للدكتور محمد خير هيكل (1/ 748 وما بعدها).
5 - الخطأ لا يعالج بمثله:
إذا كنا نواجه سوء فهم لحقيقة "الجهاد" الشرعي في الإسلام من قبل فئات من الشباب "المتحمس" الذي يريد أن يقحم الأمة في معركة غير متكافئة لم تأخذ العدة اللازمة لها إلى الآن فيعرضها لتسلط الأعداء عليها وغزوها في عقر دارها.
إن مواجهة مثل هذا الفهم الخاطئ لا تكون من خلال إنكار ثوابت وضروريات دينية؛ كإنكار جهاد "الطلب" مثلاً، فنحن بهذه الطريقة لا نعالج الخطأ إنما نزيده تعقيدًا، ونلجئ الطرف الآخر إلى أن يتشبث بخطئه ويتعصب له؛ لما يرى من تلاعبنا بالأحكام الشرعية أو تميعنا تجاهها.
إنما العلاج الشرعي لهذا الفكر يكون من خلال إبراز وتوضيح مسائل "الجهاد" الشرعي، وتبيين مخالفة أصحاب ذاك الفكر لها. ويكون هذا بواسطة علماء ثقات لهم قبولهم بين شباب الأمة. فمن المسائل التي ينبغي إبرازها وإيصالها للشباب في هذه الفترة:
1 - أن جهاد "الطلب" لا يكون إلا بإذن الإمام. يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-: "لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر .. فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع .. وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتئات وتعد على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى" (17).
2 - أنه يجوز عقد "المعاهدات" مع الكفار في حال ضعف المسلمين.
3 - أنه في حال ضعف المسلمين يُشرع الأخذ بالآيات المكية التي فيها الكف عن القتال، والتركيز على الدعوة. يقول الشيخ ابن باز –رحمه الله- متحدثاً عن واجب الإمام: "إن ضعف المسلمون استعمل الآيات المكية؛ لما في الآيات المكية من الدعوة، والبيان، والإرشاد، والكف عن القتال عند الضعف" (18).
4 - مراعاة المصالح والمفاسد في مسائل "الجهاد".
5 - تحريم قتل المعاهدين، وما فيه من عقوبة شديدة جاءت بها النصوص الشرعية.
فهذه المسائل وغيرها –مما يعرفها من هم أقدر مني- لو تم إبرازها من خلال النشرات والمحاضرات والندوات لتم القضاء على كثير من أفكار "الغلو" –بإذن الله-.
مع التنبيه على أمور مهمة تُيسر هذا العلاج:
أ- أن يكون جهد الأمة منصباً –في هذه الفترة- على جهاد "الدفع" وإخراج الكفار من ديار المسلمين التي استباحوها.
ب- إعداد العدة، وأخذ الأسباب المقوية للأمة –بإذن الله-؛ كالتزود من الأسلحة الكافية، وتدريب الشباب على الحياة الجادة، وإبعادهم عن الملهيات والمنكرات، وعدم الركون إلى الحياة الدنيا.
¥