تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشيخ عبد الآخر حماد –حفظه الله-: في قوله تعالى ": فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم": ((من المعلوم أن المشركين عند نزول هذه الآية في العام التاسع الهجري لم يكونوا كلهم متلبسين بصفة الحرابة، بل كان منهم من له مع الرسول عهد مطلق أو مؤقت، وقد جاء في حديث أبي هريرة: (كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله إلى أهل مكة ببراءة فقال: ما كنتم تنادون. قال: كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فإن أجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسولُه، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي) .. )) اهـ.

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري –رحمه الله-: ((و كذلك (أجمعوا) على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من (القتل) إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان .. )) اهـ. من (تفسير الطبري 6/ 61 ط. دار الفكر).

قال ابن كثير –رحمه الله-: ((وقد حكى ابن جرير (الإجماع) على أن المشرك يجوز (قتله) إذا لم يكن له أمان وإن أم البيت الحرام أو بيت المقدس .. )) اهـ. من (تفسير ابن كثير 2/ 6 ط. دار الفكر).

أخرج البخاري –رحمه الله- في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)، قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمَتَه، فأنزل الله في ذلك إلى قوله: (تبغون عرض الحياة الدنيا) تلك الغنيمة.

قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: ((في رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس، عند أحمد والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه: (مر رجل من بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنما عليهم)، قوله (فقتلوه): زاد في رواية سماك (وقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا)، قوله (وأخذوا غنيمته): في رواية سماك (وأتوا بغنمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلت) .. )) اهـ. من (فتح الباري 8/ 258 ط. دار المعرفة).

قال الشيخ رفاعي طه –فك الله أسره- تعليقا: ((والمراد من ذلك كله أن الآية نزلت في قتل الصحابة لرجل ظنوه مشركاً وقتلوه من أجل أخذ غنمه، وذلك بعد أن ألقى إليهم السلام، ونزلت الآية لتنهى المسلمين أن يقولوا لمن يلقي السلام لست مؤمنا، فدل ذلك على أن قتل المشرك لكفره لا شيء فيه، وهو فهم صحابة رسول الله –صلى الله عليه و سلم-، لأنهم لما قتلوه كانوا يظنونه كافراً ولم يقتلوه في معركة، بل قصدوه بالقتل من أجل غنمه عند المفسرين)) اهـ. من (إماطة اللثام عن بعض أحكام ذروة الإسلام).

فإذن عتاب الله –عز و جل- للصحابة –رضي الله عنهم- كان بسبب قتلهم الرجل بعد أن ألقى السلام عليهم، ظنا منهم أنه كاذب في ادعائه الإسلام، و أنه إنما فعل ذلك تعوذا، فعاتبهم الله –عز و جل- على عدم تثبتهم من صحة ادعائه الإسلام بإلقاء السلام قبل قتله، هذا صريح في إقرار قتل الكافر الذي ليس له عهد و لا أمان و لا ذمة ولا اعتصم بالإسلام، و لو كان قتله في غير معركة، فالله –عز و جل- لم يعاتبهم على قتله بكونه منفردا و مقدورا عليه و لا بكونه مسالما لم يظهر منه تعدٍ أو تأييد للحرب ضد المسلمين، و إنما عاتبهم على قتلهم إياه بعد أن ألقى السلام عليهم و هذا من العلامات الدالة على الإسلام العاصم للدم فوجب عليهم التثبت من صحة ادعائه قبل قتله، فلو لم يلق ِ السلام عليهم، فقتلوه على الكفر بلا شبهة لما عاتبهم الله –عز و جل – على ذلك.

قال الإمام القرطبي –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا " ((والمسلم إذا لقي الكافر ولا عهد له جاز له (قتله) فإن قال لا إله إلا الله لم يجز قتله لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله .. )) اهـ.

قال ابن حجر –رحمه الله-: ((قال الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم .. )) اهـ. من (فتح الباري 12/ 189).

* تنبيه: الفرق بين (القتل) و (القتال) .. : إن ما ذكرته أعلاه من تفصيل و أدلة، يصلح (للقتل) و (القتال) معا .. و إنما يفترقان في أن (قتال) الكفار واجب عند القدرة .. بينما (قتل) الواحد المقدور عليه من الكفار، ليس واجبا و إنما مباح، و لكن ليس حراما!! يأثم مرتكبه!!.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: ((ولهذا (أوجبت) الشريعة (قتال) الكفار و لم توجب (قتل) المقدور عليه منهم، بل إذا أسر الرجل منهم فى القتال أو (غير القتال)، مثل أن تلقيه السفينة إلينا او يضل الطريق أو يؤخذ بحيلة فانه يفعل فيه الامام الأصلح من (قتله) أو استعباده أو المن عليه أو مفاداته بمال أو نفس عند أكثر الفقهاء كما دل عليه الكتاب والسنة وإن كان من الفقهاء من يرى المن عليه و مفاداته منسوخا .. )) اهـ. من (مجموع الفتاوى 28/ 355).

و قال ابن كثير –رحمه الله-: ((وقد حكى ابن جرير (الإجماع) على أن المشرك يجوز (قتله) إذا لم يكن له أمان وإن أم البيت الحرام أو بيت المقدس .. )) اهـ. من (تفسير ابن كثير 2/ 6).

فهنا ينقل ابن جرير الطبري –رحمه الله- الإجماع على جواز (قتل) الكافر و لم يقل بوجوبه لأن الواجب هو (قتال) الكفار.

هذا و الله أعلم.

((منقول)) من مشاركة لأحد الأخوة، بتصرف يسير.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير