تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يرى د. طه حسين في محاولة للتوفيق الملفق بين العلم والدين "أن من الممكن أن يكون الإنسان ذا دين يؤمن بما لم يثبته العلم، ويكون عالماً لا يقر ما لم يثبته العلم".

"فكل امرئ هنا يستطيع إذا فكر قليلا أن يجد في نفسه شخصيتين ممتازتين: إحداهما عاقلة تبحث وتنتقد وتحلل، وتغير اليوم ما ذهبت إليه أمس، والأخرى شاعرة تلذ وتألم وتفرح وتحزن وترضى وتغضب في غير نقد ولا بحث ولا تحليل وكلتا الشخصيتين متصلة بمزاجه وتكوينه لا نستطيع أن نخلص من إحداهما".

ثم يتصور "طه حسين" الحل التلفيقي للتلاقي بين العلم والدين وهما في رأيه لا يلتقيان!! يقول: "فما الذي يمنع أن تكون الشخصية الأولى عالمة باحثة ناقدة؟ وأن تكون الشخصية الثانية مؤمنة ديانة مطمئنة طامحة إلى المثل الأعلى؟ ".

ثم يقول: "وأنا أؤكد أن هذا اللون من الحياة النفسية وحده هو الذي يكفل السلم بين العلم والدين".

وهذا التقسيم قائم على افتراض مخطئ وهو التصادم بين العلم والدين، والمنهج الإسلامي لا يقول بهذا التصادم .. لأن العلم يكتشف أسرار الله في الكون وفق تفكير منظم، وآليات وتقنيات تتجدد وتتطور حسب تطور الأزمنة .. والبيئات ونظريات العلم ووسائله، والحركة العلمية في ظل الإسلام تؤكد ذلك نظريا وعمليا.

وعلم النفس في أحدث ما انتهى إليه ينقض كلام د. طه حسين في مسألة الذات العاقلة والذات الشاعرة.

وهل التدين بعيد عن "العقل"؟ وهل هو مجرد خواطر وسوانح وتخيلات؟؟

وأمام هذا التصور الغريب، والموقف المتناقض من "الدين" يقول الرافعي مستظلا براية القرآن، ومتحصنا بأسلحة اليقين ويرد على "طه حسين مفندا رؤيته المتناقضة: "يخلط طه في معنى العلم ومعنى الدين، فيذكر أنهما لا يلتقيان إلا نزل أحدهما للآخر عن شخصيته، ويزعم أن العلم لا يرى الدين إلا قد خرج من الأرض كما تخرج الجماعة، فمتى قطع العلم على أن الجماعة الإنسانية خرجت من الأرض، وقد أخذ مذهب دارون يتصدع ويتخرب على زلازل القلم وانحياز ناموس النشوء عن هذه الجهة الحيوانية.

ومتى كان العلم يبحث في الأديان على أنه علم؟ وكيف له أن يبحث فيها وهو مقصور بطبيعته وتحديد هذه الطبيعة على ما يدخل في باب الأدلة الحسية، ولا وسائل له إلا وسائل الحس المعروفة من البحث والاستقراء والمقابلة والاستنباط، دون أن يتصل بالمعاني العقلية المحضة مما هو نظري فلسفي كالمعاني التي يرجع إليها الدين. إنه ليس بعلم ما يجاوز تلك الحدود المسورة بأسوار البحث والامتحان بحيث لا تخرج منه النتيجة الصريحة التي برهانها الحس واليقين دون الظن والجدل".

ثم يقول الرافعي ملخصا الرد على طه حسين ومنكرا عليه رأيه:

"فقول طه مثلا "إن قصة بناء الكعبة خرافة، وإن إبراهيم وإسماعيل شخصان وهميان لا يعدان علما، بل حمق محض، فإذا اعتذر منه بالعلم أضاف إلى حمقه جهلا، فإذا أصر على قوله واعتذاره زاد على الجهل الحمق والغفلة".

وفكر د. طه حسين الدائر في فلك "العلمانية، والذي أدى به إلى التقليد واتباع آراء بعض المستشرقين .. جعله يتعصب لآرائه اقتناعا منه بهذا المنهج ..

وقد اتهمه الرافعي، وحلل موقفه الفكري، ومنهجه "العلمي" القائم على "الشك".

يقول: رأينا عصبية طه على الإسلام تلبس ثلاثة وجوه:

أولها: عقيدته في القرآن وأنه من وضع الذي جاء به لا من وحى ولا تنزيل ولا معجزة.

وثانيها: رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رجل سياسي فلا نبوة ولا رسالة.

وثالثها: عمله في توهين أمر الأئمة من الصحابة في من بعدهم وقياسهم في الإنسانية وأهوائها وشهواتها على قياس من نفسه وطباعه.

وهذه التهم تحتاج إلى مراجعة ومناقشة وتحليل ولكنها تتوافق مع المنهج الذي تابع فيه د. طه حسين آراء المستشرقين ومناهجهم المادية.

والدكتور طه حسين لم يتابع الردود على ناقديه .. ولكنه كتب إلى مدير الجامعة المصرية موضحا موقفه العام من "الدين" وهو موقف نابع من رؤيته لتكوين الشخصية تكوينا ازدواجيا أو تناقضيا ـ كما اتضح من أقواله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير