والمستشرقون الذين ردد أقوالهم د. طه حسين .. لم يبتكروا الجديد، وإنما بالغوا، في تضخيم ظاهرة الانتحال - التي أثارها ابن سلام في كتابه "طبقات فحول الشعراء" ووردت هذه القضية على لسان الرواة في تقويمهم لبعض الروايات، ولبعض من رووا الشعر العربي .. وهذا دليل جودة وتمحيص، وتدقيق ورغبة في الوصول إلى النص الأصلي الصحيح .. حيث كانت الرواية منهجا دقيقا من مناهج العرب والمسلمين0
فالمفضل الضبي ينقد حماد الراوية المتوفى سنة 198هـ، والأصمعي ينقد خلف الأحمر ويتهمه بالانتحال وقد توفي سنة 216هـ، وابن هشام في سيرته ينقد ابن إسحاق المتوفى سنة 218هـ، وابن سلام يقوم روايات ابن إسحاق وحماد الراوية.
وابن إسحاق يقر بعدم علمه بالشعر .. وهذا الإقرار عده رواة الشعر فضيحة وقد روى أشعاراً عن عاد وثمود.
وأبو الفرج الأصفهاني رفض روايات ابن الكلبي عن دريد بن الصمة.
إن هذه الظواهر التي تؤكد حرص رواة الشعر على صحة ما ينسبونه للشعراء لم تؤد بهم إلى القول بانتحال معظم الشعر الجاهلي، ولا بالقول إلى أسبقية القرآن، وأن الشعر العربي أتى بعده، لأنه تقليد له في الألفاظ والأساليب، ولا إلى القول بأن الشعر تطور للقرآن كما يزعم المستشرقون.
هذه الظواهر القديمة في قضية الانتحال، دفعت بعض المستشرقين إلى الطعن في صحة الشعر الجاهلي وإلى الطعن في كثير من حقائق القرآن - وحتى نثبت صحة ما ذهب إليه الرافعي نسوق هذه الحقائق التي تكشف عن دور المستشرقين في تضخيم هذه القضية، وتكشف كيف خدع د. طه حسين بهم!! أو كيف اتخذ من نفسه بوقاً لهم عن طواعية - رغبة في الظهور - وصدمة للواقع الأدبي، والفكري.
وأول من تناول موضوع الانتحال شيخ المستشرقين الألماني تيودور نولدكه سنة 1861 أي قبل طه حسين بـ 65خمسة وستين عاماً.
وقد استعان بنتائج البحث في اللغات السامية، وما كشفت عنه النقوش الحميرية والسبئية وفي اليمن الجنوبية عموماً، وبالمقارنة بما حدث في الآداب الأخرى، الأدب اليوناني وخاصة هوميروس، وفي الأدب الألماني ليسوق الأسباب الدقيقة التي تؤيد وتوسع من نطاق النتائج التي وصل إليها ابن سلام الجمحي بنظرة ثاقبة ولكنها غير مؤيدة بالأسانيد التاريخية.
وبعد ثماني سنوات جاء "ألفرت فلهلم" ليثير الشكوك سنة 1872 في مقدمة ديوان "الشعراء الستة الجاهليين".
وفي سنة 1904م كتب "كليمان هوار" مقالة مغرضة بعنوان "مصدر جديد للقرآن".
وفي عام 1905 أصدر "مرجليوث كتابه عن "محمد وظهور الإسلام، ثم كتب مقالته عن "محمد" في دائرة معارف "الدين والأخلاق".
وتوالت الجهود التي تدرس التشابه بين لغة القرآن ولغة الشعر الجاهلي وكتب مرجليوث مقالاً عن أصول الشعر العربي عام1911 كتب بحثاً في الموضوع نفسه سنة 1925.
ومن القضايا المغرضة التي أثارها "مرجليوث" هي أن الشعر تطور للقرآن، أي أتى بعده .. وهذا أخطر ما في القضية التي قلد كل تكويناتها د. طه حسين.
انتهى الجزء الأول، وهذا هو الجزء الثاني ( http://64.233.161.104/search?q=cache:75qPcRDT6U4J:www.lahaonline.com/index.php%3Foption%3D*******%26task%3Dview%26id%3D 8485%26sectionid%3D1+%D8%B7%D9%87+%D8%AD%D8%B3%D9% 8A%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1+%D8%A7%D9% 84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%8A&hl=ar&safe=vss&ie=UTF-8&inlang=ar)
بين الرافعي وطه حسين تحت راية القرآن (2 من2)
صابر عبدالدايم
العلم والدين وشبهات المستشرقين:
ومما يتصل بتقليد طه حسين للزنادقة وبعض المستشرقين الذين لا يوثق برأيهم ولا بفهمهم في الآداب العربية قضية "الصلة بين العلم والدين" .. حيث يرى أن الدين من نتاج الجماعات البشرية تقليدا لرأى "دور كايم" الذي يقول: "إن الجماعة تعيد نفسها" أو بعبارة أدق أنها تؤله نفسها ويقول د. طه حسين وهو يتبنى الفكر "العلماني".
إن العالم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس، من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة وتقع الجماعة في تطورها، وإذن فالدين في نظر "العلم الحديث" ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم ينزل من السماء، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها.
¥