تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في 8 مايو وقع بصري في جريدة الأهرام على نعي نجل المستشار محمد بك نور عميد عائلة نور بالمنصورة. وعلى الفور قفزت إلي ذهني العلاقة التي ربطت المستشار محمد بك نور بطه حسين في ظرف صعب سجل فيه محمد بك نور، موقفا مشرفا ظل علامة على مواقف القضاة المصريين التي حفروا بها انتماءهم إلي روح العدل. في مارس 1927 كان محمد بك نور هو رئيس نيابة مصر الذي سجل قرار النيابة في قضية كتاب " في الشعر الجاهلي " لطه حسين مقررا حفظ الأوراق إداريا، أي تبرئة طه حسين من التهم الموجهة إليه. وكان النائب العمومي قد تلقى عدة بلاغات تفيد كلها بأن طه حسين قد تعدى بكتابه على الدين الإسلامي، أولها بتاريخ 30 مايو 1926 من الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالي بالأزهر يتهم فيه الدكتور طه حسين بأنه ألف كتابا أسماه " في الشعر الجاهلي " ونشره على الجمهور وفي الكتاب طعن صريح في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي إلي آخر ماذكره في بلاغه، وبتاريخ 5 يونيو 1926 أرسل فضيلة شيخ الجامع الأزهر للنائب العمومي خطابا يبلغ به تقريرا رفعه علماء الجامع الأزهر عن كتاب طه حسين الذي كذب فيه القرآن صراحة وطعن فيه على النبي (صلعم) وأهاج بذلك ثائرة المتدينين وطلب فضيلة الشيخ تقديم طه حسين للمحاكمة، وبتاريخ 14 سبتمبر سنة 1926تقدم حضرة عبد الحميد البنان أفندي عضو مجلس النواب ببلاغ آخر ذكر فيه أن الأستاذ طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع كتابا طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي. وأجمل محمد بك نور الاتهامات الموجهة ضد طه حسين في أربعة: الأول أنه أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم واسماعيل، والثاني أنه طعن على النبي (صلعم) من حيث نسبه، والثالث ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها، والرابع أنه أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم. وقد حقق محمد بك نور طويلا مع طه حسين، وجادله، ثم قرر حفظ القضية. وتتضح أهمية موقف محمد بك نور في أنه قرر حفظ القضية ليس لأنه متفق مع ما جاء في الكتاب، بل رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين. وفي ذلك تحديدا تكمن عظمة ذلك العقل المستنير. ومازالت كل حجج محمد بك نور – التي برأت طه حسين - صالحة كأساس منهجي إلي يومنا هذا. ومثال ذلك أنه يشير في أحد المواضع إلي أنه: " ومن حيث إن العبارات التي يقول المبلغون إن فيها طعنا على الدين إنما جاءت في كتاب في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي ألف الكتاب من أجله، فلأجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضعها والنظر إليها منفصلة، وإنما الواجب توصلا إلي تقديرها تقديرا صحيحا بحثها حيث هي في موضعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه، وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسئوليته تقديرا صحيحا ". وبذلك وضع محمد بك نور أساسا لعدم انتزاع الكلمات والعبارات من سياقها. وقد اختلف محمد بك نور في الكثير مع طه حسين، وقرر بالنسبة لتكذيب الأخبار عن إبراهيم واسماعيل أن طه حسين: "خرج من بحثه هذا عاجزا كل العجز عن أن يصل إلي غرضه الذي عقد له هذا الفصل من الكتاب من أجله "، أماعن التهمة الخاصة بالقراءات السبع فقد اعتبر محمد بك نور أن ما ذكره المؤلف هو " بحث علمي لا تعارض بينه وبين الدين ولا اعتراض لنا عليه ". وبشأن التهمة الثالثة وهي الطعن في النبي (صلعم) فقد جاء في قرار رئيس النيابة: " ونحن لا نرى اعتراضا على بحثه على هذا النحو، وإنما كل ما نلاحظه عليه أنه تكلم فيما يختص أسرة النبي بعبارة خالية من الاحترام ". وأخيرا يقرر محمد بك نور بالنسبة للتهمة الرابعة ما يلي: " ونحن لا نرى اعتراضا على أن يكون مراده بما كتب هو ما ذكر، ولكننا نرى أنه كان سئ التعبير جدا في بعض عباراته ". وبالرغم من كل ذلك الاختلاف مع طه حسين فإن محمد بك نور يقرر أنه: " لمعاقبة المؤلف يجب أن يقوم الدليل على توفر القصد الجنائي لديه، فإذا لم يثبت هذا الركن فلا عقاب. وإن للمؤلف فضلا لا ينكر في سلوكه طريقا جديدا للبحث حذا فيه حذو العلماء من الغربيين .. والعبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير