تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التيار التأصيلي في الثقافة العربية يجب أن يكون بناء في مختلف جوانب هذه الثقافة، وأعمال هذا التيار ذات الطابع السجالي مع "الحداثة" العربية مثلاُ أو مع الاستشراق أو مع الكتابات العنصرية المعادية للعرب أو الإسلام هي ذات طابع تمهيدي وحسب. إنها تمهد الأرض للبناء وليست هي البناء نفسه (ويا ليت الظروف المناسبة تجيء سريعاً فلا نعود بحاجة إلى هذه الكتابات كما لا نعود بحاجة إلى آلات تمهيد الأرض بعد أن ينتهي التمهيد ونشرع في البناء) ومع ذلك فإن للموقف التأصيلي مقدمات نفسية وفكرية لا بد له من أن يقوم عليها أعد منها نوعين اثنين توافرا عند الأستاذ شاكر:

أ-مقدمات نفسية: محبة الذات والثقة بالنفس:

العجول يتخيل أن محبة الذات أمر بديهي تقتضيه سنة حفظ البقاء، والقاعدة أن المرء يحب نفسه ويفضلها على غيرها. وللاختصار ولعدم الإطالة في هذا الموضوع الذي بحثته مطولاً في أماكن أخرى أقول: القاعدة في الثقافات المستلبة هي العكس: إن المرء يحتقر ذاته وأهله ومجتمعه ويحب الذات الغازية ومجتمعها. يرى كل شيء يميزنا قبيحاً، غير منطقي، لا معنى له ولا مبرر، وهو السبب في كل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية إلخ .. ويرى كل شيء يميز الغالبين جميلاً، منطقياً، هو السبب في كل ما يتمتعون به من تغلب، حتى لو كانت هذه الميزات عرضية. وبإمكان المرء أن يسوق أدلة مطولة من تاريخ النظر العربي الاستلابي (المستمر حتى الآن) جعلت فيه حتى ميزات من نوع برودة الجو ميزات تسبب التفوق الحضاري (لو كانت الحضارة العربية هي المتغلبة لظهر عند الأوروبيين من يفسر التفوق العربي بحرارة الجو!)

وعلى عكس هذه المقدمة النفسية للتيار المستلب (بفتح اللام) فإن المقدمة النفسية للتيار الثقافي التأصيل هي محبة الذات الحقيقية والثقة بها، ورؤيتها في تمايزاتها، ورؤية المنطق الذي يحكم "تفاصيلها الكثيرة المتشابكة المعقدة"

هذا التفهم لتفاصيل ذاتنا الثقافية الحقيقية يكسبنا ثقة بالنفس، وقد رأى القارئ كيف كانت دراسة شاكر المعمقة للتراث العربي سبباً في أن يرى بسهولة تهافت النظر الاستشراقي إلى التاريخ العربي والإسلامي. على أنني في هذه النقطة أرى أن الرؤية العربية لأبي فهر أعمق بكثير من رؤيته الإسلامية، وأعني بذلك ضحالة معلوماته، كما بدت لي، عن تاريخ الإسلام بما هو تاريخ مجموعة كبيرة من الشعوب الشقيقة التي ساهمت كلها بنصيب في هذا التاريخ. وبسبب هذه الضحالة نجد عند الأستاذ شاكر استعمالاً متسرعاً لمصطلح "الأعاجم" ويبدو هذا خصوصاً في كتابه عن المتنبي حيث يفهم منه بعض العداء لشعوب إسلامية هي شريك أساسي في هذه الحضارة وهي مركب من مركبات ذاتنا الحقيقية، ولا نحتاج إلى ضرب أمثلة على هذه الشراكة فهي واضحة وضوحاً بديهياًً. وأقول: إن هذا تسرع من الأستاذ شاكر وليس وجهة نظر ثابتة عنده لأنه كثيراً ما يستشهد بالدور التركي مثلاً ويأخذ على الحضارة الغربية أنها تفرق بين الأجناس ("أباطيل ... "-ص230)

يستشهد شاكر بقول لسلامة موسى في كتابه "اليوم والغد": "ينبغي أن لا يغرس في أذهان المصري أنه شرقي، فإنه لا يلبث أن ينشأ على احترام الشرق وكراهة الغرب، وينمو في كبرياء شرقي، ويحس بكرامة لا يطيق أن يجرحها أحد الغربيين بكلمة" وأيضاً: "الرابطة الشرقية سخافة والرابطة الدينية وقاحة والرابطة الحقيقية هي رابطتنا بأوروبا" ("أباطيل .. "-ص148)

وعلى العكس من هذا الموقف الداعي إلى مكافحة الغيرة على الذات وعدم محاولة الدفاع عنها كان موقف شاكر منذ البداية موقف "المدافع عن أمته العربية الإسلامية" وهذا الموقف النفسي أراه موقفاً مؤسساً للاتجاه التأصيلي (وإن كنت أجد من الواجب التحذير من الوقوع في موقف شوفيني فالثقة في الذات تتضمن أيضاً احترام الثقافات الأخرى)

ب-مقدمات معرفية: الرؤية الدقيقة للاختلاف الثقافي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير