تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عدائها للشيوعية!).

وإذا فهمنا "التبشير" هذا الفهم المعمّم جاز لنا أن نقول إن التبشير إذا كان بمعناه الضيق قد أخفق في البلاد الإسلامية إخفاقاً ذريعاً فإنه قد نجح بمعناه العام نجاحاً باهراً. وقد رأى ذلك "زويمر" فيما ينقله عنه محمود شاكر: "ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء" ("أباطيل .. "-ص254).

هذا النجاح الباهر لم يجد بعد من يصفه:: التهديم الذي جرى في كل نواحي البنية الاجتماعية- الثقافية للبلاد الإسلامية وإن من حسنات "أبي فهر" (محمود شاكر) أنه تنبه إلى ذلك. يقول: "لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها ( ... ) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون، بلا رقيب ولا حسيب " ("المتنبي"-ص45 - الهامش)

"وصف هذا التدمير" وتتبع آثاره ضروري لمن يريد أن يبني بناء أصيلاً ويجدد التجديد الأصيل الذي وصفه الأستاذ شاكر فأحسن وصفه:"التجديد لا يمكن أن يكون مفهوماً ذا معنى إلا أن ينشأ نشأة طبيعية من داخل ثقافة متكاملة متماسكة حية في أنفس أهلها، ثم لا يأتي التجديد إلا من متمكن النشأة في ثقافته، متمكن في لسانه ولغته، متذوق لما هو ناشئ فيه من آداب وفنون وتاريخ، مغروس تاريخه في تاريخها وفي عقائدها، في زمان قوتها وضعفها، ومع المتحدر إليه من خيرها وشرها، محساً بذلك كله إحساساً خالياً من الشوائب، ثم لا يكون التجديد تجديداً إلا من حوار ذكي بين التفاصيل الكثيرة المتشابكة المعقدة التي تنطوي عليها هذه الثقافة، وبين رؤية جديدة نافذة، وحين يلوح للمجدد طريق آخر يمكن سلوكه، من خلاله يستطيع أن يقطع تشابكاً من ناحية ليصله من ناحية أخرى وصلاً يجعله أكثر استقامة ووضوحاً، وأن يحل عقدة من طرف ليربطها من طرف آخر ربطاً يزيدها قوة ومتانة وسلاسة" (مقدمة"المتنبي"-ص34 - 35)

وهذا تعريف في غاية الأهمية لما أسميه "التجديد التأصيلي" وفيه دقة في التحليل مثيرة للإعجاب (فلعل "أبا فهر" لم يذكر لنا عبثاً غرامه القديم بالرياضيات في عهد الصبا!)

وإنني لأدعو القارئ إلى المقارنة بين صيغة شاكر هذه وصيغة طه حسين الشهيرة في كتابه"مستقبل الثقافة في مصر": "نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره .. "

صيغة طه حسين بسيطة، مفرطة في البساطة: نسير سيرتهم ونكون مثلهم وهكذا يتم بجرة قلم التخلص من هذه الثقافة المتميزة واستبدالها بالثقافة الأوروبية أما صيغة شاكر فأكثر تعقيداً. إنها تجد نفسها إزاء شيئين: الماضي والمستقبل. كيف نحتفظ بالأصول وكيف نجدد على الطريقة التأصيلية لا على الطريقة الاستلابية التغريبية التي دعانا إليها "نهضويون" مثل سلامة موسى وطه حسين (في إحدى آرائه، هذه الآراء كانت تتغير أحياناً) والتبسيط المفرط والمضلل والأفكار الخاطئة التي يراد منها أن تصبح بديهيات أو مسلمات بكثرة التكرار (مثلاً "المسلمة" القائلة إن كل شيء في الغرب مرتبط ببعضه يؤخذ كله أو يترك كله) هي السمات المميزة للثقافة العربية الحديثة وللنهضويين من شبلي شميل حتى صادق جلال العظم وأشباهه من الأقل شهرة (دون أن يكونوا أقل منه "أصالة" و "موهبة"-مثلاً الذين يعيشون في أوروبا من "المثقفين" العرب)

ثالثاً: مقدمات التأصيلية في الثقافة العربية عند محمود محمد شاكر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير