تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي عهد شاكر (منتصف الستينات، تاريخ نشر المساجلة التي نحن بصددها) ساد عند الشعراء استعمال ألفاظ "الخطيئة" و "الخلاص" و "الفداء" و "الصلب" فتصدى لهم "أبو فهر" بنقد تحليلي صائب نلخصه فيما يلي: إن هذه الألفاظ ذات دلالة محددة مستندة إلى العقيدة المسيحية وليس لها تاريخ أو أثر في حياة المسلمين كتاريخها وأثرها في حياة المسيحيين. وهو يشرح شرحاً جيداً أميناً هذه الكلمات الأربع وفقاً للعقيدة المسيحية (ومن مزايا شاكر المشكورة أمانته فهو ينقل بدقة وبلا تحريف الردود عليه ولا يتجاهل شيئاً منها فلا يضعه أمام القارئ) ويبرهن أن معناها اصطلاحي يختلف عن معناها اللغوي فالخطيئة هي خطيئة آدم ورثها البشر والفداء والصلب هما عند المسيحيين ما تجشم عبئهما السيد المسيح لتخليص البشر من "الخطيئة" وهذه المعاني غير موجودة في الذهن الإسلامي الذي لا يؤمن بتوارث الخطيئة ولا بضرورة الفداء إلخ ..

وهذا الإيضاح لا يعني أي موقف من العقيدة المسيحية وإنما السؤال الذي يسأله شاكر هو: "ما الذي ألزمهم هذه الألفاظ الأربعة، ولم يضعوا مكان "الخطيئة" مثلاً "الإثم" أو "الذنب" أو "الحوب" أو "المعصية" أو "الزلة" أو ما شئت؟ وكيف تواطؤوا، على تباعد الديار والأوطان، على هذه الكلمة، وأي سحر فيها؟ ولم قالوا "الفداء" وأكثروا، ولم يقولوا قط "الكفارة"؟ ولم قالوا "الصلب" و"الصليب"، ولم يقولوا "الشنق" و "المشنقة" وهي أشهر وأعرف وأكثر استعمالاً إلى اليوم؟ ولم قالوا: "الخلاص"، ولم يقولوا "النجاة"؟ "

هذا التواطؤ على اختيار هذه الألفاظ الأربعة من بين البدائل العديدة دليل عند شاكر على أن الأمر ليس مصادفة. ("أباطيل .. " ص215)

شاكر يرى أن في الأمر مؤامرة تبشيرية يتم فيها إدخال عقائد مسيحية خلسة عبر إدخال كلمات دالة عليها.

وبرأيي فإن في هذا مبالغة ولكن هذا المثال مهم ويحسن بنا النظر إلى حقيقته بصورة مختلفة قليلاً: إن هذا المثال هو فيما أرى أحد الأمثلة على التفضيلات الجمالية الاستلابية فإن "الصلب" أجمل عند المستلب من "الشنق" لأن "الصلب" هو من مصطلحات ثقافة الغالبين، الغرب، على حين أن الشنق عادة من "عاداتنا" (وأنعم وأكرم!) وبالمثل الكلمات الأخرى. والقاعدة واحدة:"الإفرنجي برنجي"،"زامر الحي لا يطرب" ولا يتخيل أحد أن هذا التقضيل الجمالي يخص المسيحية بحد ذاتها فما كان المسلمون ليروا هذه الألفاظ جميلة بحد ذاتها لو لم يكن الإسلام دين أمة في وضع هزيمة ولو لم تكن المسيحية دين الغالبين.

ج-نقد شاكر لاستعمالات كلمة "الدين":

يتتبع شاكر ببحث صبور المفهوم الإسلامي لكلمة "دين" ليميزه عن الاستعمال الغربي لهذه الكلمة "فمن أجل ذلك رأيت أن أكتب هذه الكلمات، ثم أتبعها ببعض البيان عن معنى "الدين" عندنا، وهو، وإن لم يكن مجهولاً منذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق من ربه، إلا أنه قد انتهى إلى أن يكون كالمجهول، بعد أن غلبت على ديار الإسلام حضارة نابعة من تراث أهل الكتابين المذكورين في كتابنا المنزل، وذلك لأنهم يستخدمون لفظ "الدين" للدلالة على شيء يأبى ديننا نحن أن يسلم بدلالاته إباء مطلقاً. ثم شاع اللفظ عند عامة أهلنا بالمعنى الذي جاء في تراث أهل الكتابين، فدخل على معنى "الدين" ما ليس منه، وحدث اختلاط وفساد، كلاهما يؤدي إلى سوء التفكير، وإلى ضلال النظر عن الحق الذي أمرنا باتباعه" ("أباطيل ... "ص525)

ولن نسوق هنا تفاصيل هذا التحليل المطول الصبور لما يفهمه كل من "المسلم" و "المسيحي" و "اليهودي" و "المجوسي" لهذه الكلمة بحيث لا يفهم الواحد منهم من دين الآخر إلا ما هو مشترك من التعبد لرب دون ما هو مميز لكل دين على حدة. ما نريد التركيز عليه هو شعور شاكر الحاد بضرورة التمييز بين المعاني المختلفة للألفاظ:

"نحن أحوج ما نكون إلى الدقة والتغلغل والنفاذ إلى أعماق المعاني والألفاظ، بلا حيرة ولا بلبلة ولا عي عن بلوغ أقصى ما نطيق من التمييز" ("أباطيل .. "-ص526)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير