1 - أن هناك مسائل كثيرة اختلف فيها صاحبا الإقناع، والمنتهى، وتبين أن المذهب فيها قول صاحب الإقناع .. [ثم مثل لذلك] وهذا يبين أن القول بأنه عند اختلافها يرجع إلى ما في المنتهى لأنه أكثر تحريرا، وتصحيحا كما نقلت في التمهيد (1) ليس على اطلاقه وعمومه، وإن كان أكثر المسائل المذهب فيها ما ذكر صاحب المنتهى.
2 - أنه قد يختلف قول الحجاوي في الإقناع في المسألة الواحدة فيقول فيها بقول في موضع ثم يقول فيها بقول آخر في موقع آخر [ثم مثل لذلك]، ولم أطلع على شيء من ذلك في المنتهى فهذا يدل على أنه ـ المنتهى ـ أكثر دقة، وتحريرا.
وقد جاء في مقدمة المصطلحات الفقهية الحنبلية: إذا ذكر صاحب الإقناع والمنتهى، وغيرهما مسألة في غير بابها فالمعتبر إذا ذكرت في بابها.
3 - أن من أسباب اختلافهما _ أي صاحبي الإقناع والمنتهى _ في كثير من المسائل قوة القولين جميعا، وعدم تعين المذهب منهما [ثم مثل لذلك]، ومنها الاختلاف في المعتمد في المذهب.
4 - وضوح عبارة الإقناع (2) حيث لم احتج إلا في القليل جدا للرجوع إلى الشروح والحواشي لبيان معاني عباراته، بخلاف المنتهى كما هو واضح من خلال البحث.انتهى كلامه حفظه الله.
وتأتي أهمية هذا المتن الجليل من كونه جمع بين كتابين من أهم كتب الحنابلة لعالمين محققين في المذهب أولهما المقنع للموفق ابن قدامة المتوفى سنة620 وثانيهما التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع للمنقح العلامة علاء الدين المرداوي الحنبلي المتوفى سنة 885 وهذان الكتابان عليهما المعول في المذهب فالمقنع أشهر من أن يشهر وعليه تدور جملة من المختصرات والشروح والتعليقات والحواشي وهو أشهر المتون بعد مختصر الخرقي فهو من أعظم الكتب نفعا وأكثرها جمعا كما قال المرداوي في الإنصاف.وقد حظي بشروح لعدد من الأئمة والمحققين كالشارح والمرداوي وإبراهيم بن مفلح وغيرهم كثير. .وأما التنقيح فهو على اسمه تنقيح للمذهب بمعنى الكلمة وهو مختصر من الإنصاف ومنزلته من المقنع منزلة الروح من البدن فلا يستغني المقنع عنه فهو مصحح لما أطلق فيه ومبين لما أخل به من الشروط ومفسر لمبهم أحكامه وألفاظه ومستثن لعموماته ومقيد لمطلقاته بل وزاد عليه مسائل محررة مصححة وكمل على بعض فروعه ما هو مرتبط بها فصار تصحيحا لغالب كتب المذهب, وبالجملة فلم يسبق مؤلفه إلى نظيره كما قال العلامة البهوتي في كشاف القناع. فإذا علم المرء فضل هذين الكتابين في المذهب فما الظن بما جمعهما وزاد عليهما فوائد شوارد؟ ولهذا قال ابن النجار في مقدمته
"فاستخرت الله تعالى أن اجمع
مسائلهما في واحد مع ضم ما تيسر عقله من الفوائد الشوارد ولا أحذف منهما إلا المستغنى عنه والمرجوح وما بني عليه ولا أذكر قولا غير ما قدم أو صحح في التنقيح إلا إذا كان عليه العمل أو شهر أو قوي الخلاف فربما أشير إليه ".
واعلم أيها القارئ الكريم أن فكرة الجمع بين المقنع والتنقيح لم تكن قاصرة على ابن النجار بل سبقه إليها شهاب الدين العسكري ووصل فيه إلى الوصايا ولم يكمله.وزعم ابن طولون في سكردان الأخبار أن الشويكي شرع في تكملته ونقلها عنه في السحب وكذا الشيخ بكر في المدخل ولم يتعقباه. وقد بين الشيخ ناصر الميمان في مقدمة تحقيقه للتوضيح خطأ هذا الزعم. بما لا مزيد عليه فراجعه غير مأمور إذ هو خارج عن نطاق البحث وإنما ذكرته استطرادا.وممن جمع بينهما العلامة الشويكي في التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح , وهو من النفاسة بمكان وطبع طبعتان أحسنهما طبعة ناصر الميمان في المكتبة المكية في ثلاثة مجلدات. وهو أسهل تناولا وأوضح عبارة من المنتهى حتى قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى"تأملت كتاب التوضيح للشويكي فوجدته أنفع وأحسن من المنتهى"لكنه لم يرزق من الشهرة والاعتماد والشروح والحواشي ما رزقه المنتهى ولا نصفه , فلله الحكمة البالغة.
وأشير هنا إلى أمر مهم وهو أن الكتاب أعني التوضيح كامل خلافا للزركلي في الأعلام وتبعه الشيخ بكر في المدخل ولعل هذا خلط بين كتاب العسكري الذي لم يتم بالفعل وكتاب الشويكي.
ولنرجع إلى المنتهى فنقول: قد كثرت شروح المنتهى وحواشيه واحتفى به الأصحاب أيما احتفاء, فمن شروحه:
¥