عن محمد بن أبي بكر الثفي: قال سألت أنسا ونحن غاديان من مِنَى إلى عرفات- عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي صلّى اللهُ عَليه وسلَّم؟ قال: (كان يلبِّي الملبِّي فلا يُنكر عليه و يكبِّر المكبِّر فلا ينكر عليه). فتح الباري: 2/ 461.
وبوب عليه البخاري باب: التكبير أيان مِنَى و إذا غدا إلى عرفة.
و قول ابن قدامة السابق قد سبقه إليه الإمام أحمد و أخذه أحمد عن شيخه الإمام سفيان بن عيينة فإن أحمد حكى عنه أنه قال: (إن هذا في حق أهل الأمصار – يعني ابتداء التكبير من صبح عرفة – فأما أهل الموسم فإنهم يكبِّرون من صلاة الظهر يوم النحر لأنهم قبل ذلك مشغولون بالتلبية، وقال أحمد هذا قول حسن) اهـ. فتح الباري لابن رجب: 8 /ص 10.
قلت ولا مانع من جَمْعهم بين التكبير و التلبية وإن أباه من أباه كما تقدم في حديث أنس و كما بوب عليه البخاري، لكن التلبية من الحاج قبل وقت قطعها آكد وأثبت من التكبير في حقه، لكن لا بأس بالجمع بينهما ومع هذا فقد قال الثوري: إذا اجتمع التكبير والتلبية بدأ بالتكبير.
والمقصود أن يكبِّر المسلم في هذه الأيام سواء ابتدأ التكبير من ظهر يوم النحر وقطعه في صلاة الصبح في اليوم الرابع من أيام العيد أو ابتدأه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر في اليوم الرابع من أيام العيد يوم النفر الأخير. كما هوقول أحمد وإسحاق وغيرهم
لكن القول بابتدائه من يوم عرفة من صلاة الصبح أرجح و أحوط، والقائلين به أكثر وهو أعم الأقوال وهو ثابت عن من يقتدى به من السلف من الصحابة و غيرهم وفيه أيضا تكثير للتكبير، والزيادة في ذكر الله أفضل. وقد رجحه شيخ الإسلام وجعله هو الصحيح المروي عن أكابر الصحابة (مجموع الفتاوى 24/ 222).و رجحته هيئة كبار العلماء عندنا.
فالتكبير المقيَّد بما بعد الصلوات الراجح أنه يبدأ من فجر يوم عرفة وهو في حق أهل الأمصار و الحجاج لكنه في حق أهل الأمصار لا اختلاف فيه عند الجماهير وفي حق الحجاج فيها من الاختلاف ما تقدَّم عن سفيان و أحمد من التفريق بين الحجاج وغيرهم في وقت ابتداء التكبير وبه قال أبو ثور و الراجح عدم التفريق.
ـ[الميموني]ــــــــ[13 Dec 2007, 01:56 م]ـ
وصفة التكبير المختارة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود و به قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وابن المبارك، إلا أنه زاد على ذلك: (على ما هدانا) لقوله: (لتكبروا الله على ما هداكم) (الحج 37)
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[13 Dec 2007, 04:26 م]ـ
جزاك الله خيراً يا دكتور عبد الله على هذه الفوائد ..
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[13 Dec 2007, 10:45 م]ـ
التكبير في أيام العشر فرع على فهم المراد بالأيام المعلومات التي ذكرها الله تعالى في سورة الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)).
والأقوال في الآية سبعة،كما بسط ذلك الشيخ فريح البهلال في رسالة له عن هذه الآية.
ومن أحسن من وقفت له على كلام محرر في هذه الآية،هو العلامة الشنقيطي رحمه الله حيث قال:
(تفسير الأيام المعلومات في آية الحج هذه): بأنها العشر الأول من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر، لا شك في عدم صحته، وإن قال به من أجلاء العلماء، وبعض أجلاء الصحابة من ذكرنا.والدليل الواضح على بطلانه أن الله بين أنها أيام النحر بقوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} وهو ذكره بالتسمية عليها عند ذبحها تقرباً إليه كما لا يخفى، والقول: بأنها العشرة المذكورة، يقتضي أن تكون العشرة كلها أيام نحر، وأنه لا نحر بعدها، وكلا الأمرين باطل كما ترى، لأن النحر في التسعة التي قبل يوم النحر لا يجوز والنحر في اليومين، بعده جائز. وكذلك الثالث عند من ذكرنا، فبطلان هذا القول واضح كما ترى) انتهى كلامه رحمه الله.
وعلى هذا،فيبقى النظر في مشروعية التكبير في هذه العشر من أول يوم منها إلى فجر يوم عرفة؛ لأن التكبير من فجر عرفة تواردت فيه الآثار عن الصحابة إلى نهاية أيام التشريق.
وقد صح عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان ـ وهما من أئمة الكوفة ـ أنهما قالا عن التكبير أيام العشر: محدثٌ، وصح عن مجاهد خلاف ذلك ـ ومحاهد من أئمة المكيين ـ.
قال ابن رجب رحمه الله في شرح البخاري 7/ 51 ـ بعد أن ذكر تخريج الأثرين اللذين ساقهما أخونا الميموني ـ:
(وروى جعفر الفريابي، من رواية يزيد بن أبي زياد، قال: رأيت سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدا - أو اثنين من هؤلاء الثلاثة - ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: ((الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد)).
وروى المروزي، عن ميمون بن مهران، قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير.
وهو مذهب أحمد، ونص على أنه يجهر به.
وقال الشافعي: يكبر عند رؤية الأضاحي،وكأنه أدخله في التكبير على بهيمة الأنعام المذكور في القران، وهو وإن كان داخلا فيه، إلا أنه لا يختص به، بل هو أعم من ذلك كما تقدم.
وهذا على اصل الشافعي وأحمد: في أن الأيام المعلومات هي أيام العشر، كما سبق ..
فأما من قال: هي أيام الذبح، فمنهم من لم يستحب التكبير في أيام العشر، وحكي عن مالك وأبي حنيفة.ومن الناس من بالغ، وعده من البدع، ولم يبلغه ما في ذلك من السنة.) انتهى.
والمسألة محل تأمل واجتهاد.
¥