مكتبة المدرسة القادرية العامة خزانة من خزائن العهد العباسي في بغداد، يرتقي تأريخها إلى أوائل القرن السادس الهجري وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي حيث أنشئت لأول مرة ضمن مدرسة علمية على المذهب الحنبلي، وكان قد وضع نواتها الأولى مؤسس المدرسة أبو سعيد المخرمي وعرفت منذ ذلك التأريخ باسم مدرسة المخرمي، ثم زاد عليها أهل العلم والتقوى والصلاح من بعده، منهم أبو الحسين علي بن عساكر بن المرحب بن العوام البطائحي الذي عاش ما بين سنة (489) ه و سنة (572) ه، وما بين سنة (1095) م، وسنة (1176) م، وفعل مثله الشيخ أبو الحسن أيوب الحارثي المتوفى سنة (572) ه الموافق (1176) م.
وهذه المدرسة هي أقدم مدارس الحنابلة ببغداد وأعظمها شأناً، وأكثرها أوقافاً وأطولها عمراً، وقد بناها مؤسسها قاضي باب الأزج، بأقصى المحلة المعروفة بباب الأزج ببغداد قريباً من محلة الحلبة الواقعة في الغرب منها وأوقفها لأهل طائفة الحنابلة.
وبعد هذا يمكننا القول: بأن أول من وضع نواة هذه المكتبة هو المبارك بن علي المخرمي المولود سنة 446ه - 1054م والمتوفى في 12محرم 513ه -1119م ينظر للاستفادة من ترجمته طبقات الحنابلة لأبي يعلى حيث ذكر الآتي:-
((ختم القرآن لخلق كثير، كان مداوماً للصيام والتهجد بالليل)). ومن بعده فوضت المدرسة إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكان أول من تولى التدريس فيها وبالرغم من أن واضع الحجر الأساس للمكتبة القادرية هو المبارك بن علي المخرمي إلا أن الشيخ
عبد القادر الكيلاني يعتبر المؤسس الحقيقي لها لما كان له من أثر بالغ في النفوس وإقبال الناس على رفد هذه المكتبة بما لديهم من الكتب والمؤلفات والوقفيات في حياته وبعد وفاته سنة (561 ه - 1165 م)، وذكره الذهبي في تأريخه فقال: قدم الشيخ
عبد القادر الجيلي بغداد سنة 488ه وعمره ثماني عشرة سنة وكان الخليفة ببغداد إذ ذاك المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبو القاسم عبد الله العباسي.
وذكره ابن الجوزي، فقال: ودرس بمدرسة المخرمي القاضي أبي سعيد بن المبارك وكانت مدرسته لطيفة ففوضت إلى الشيخ عبد القادر فتكلم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيت بالزهد وكان له سمت وصمت وضاقت المدرسة بالناس وكان يجلس عند سور بغداد مستنداً إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير فعمرت المدرسة ووسعت وأقام في مدرسته إلى أن توفي ودفن بها.
وهناك علماء أعلام وأفاضل كرام أسدوا خدمات جليلة إلى هذه المكتبة العامرة عبر تأريخها الطويل منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، فكانوا بذلك قدوة صالحة ومثلاً يحتذي به السابق واللاحق ومن هؤلاء:-
الشيخ عبد الوهاب سيف الدين المعروف بابن قدوة الزاهد بن الشيخ محيي الدين
عبد القادر الجيلي المتوفى سنة 593ه، حيث قرأ الفقه على والده حتى برع فيه، ودرس نيابة عنه بمدرسته وهو حي، وقد نيف على العشرين من عمره، ثم استقل بالتدريس بها بعد أبيه.
الشيخ عبد السلام بن عبد الوهاب الملقب بالركن المتوفى سنة 611ه، كان عالماً فقيهاً أديباً عارفاً بالمنطق والفلسفة جرت عليه محنة مع الوزير ابن يونس.
أبو صالح السيد الشيخ نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلي ت (663) ه.
محيي الدين أبو نصر السيد الشيخ محمد بن نصر بن الشيخ عبد الرزاق بن الشيخ
عبد القادر الجيلي، حيث تولى أمور المدرسة القادرية ومكتبتها من بعد أبيه، قام بخدمة المكتبة وعمل على توسيعها إلى أن توفي سنة 656ه على يد التتار زمن النكبة التي تعرضت لها بغداد، وكان نصيب المكتبة كنصيب باقي أخواتها من المكتبات والمدارس ودور العلم التي خربت ودمرت ورميت كتبها في نهر دجلة، وهناك العديد من الكتب المخطوطة التي انتشلت من النهر وأعيدت إلى المكتبة بعد تعميرها حين انقضاء النكبة، وقد كتب على طرة بعض تلك المخطوطات: انتشل من نهر دجلة.
¥