فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه فقال: انزل فنزلت، فقال: أجب أمير المؤمنين فأخذوني، وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا حتى أدخلوني عليه، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف، وفزعت فزعا شديدا فقال: ادن، فدنوت فقال لي: ليسكن روعك، وليهدأ قلبك، وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي.
فقال: أنت الذي أذنت هذه الساعة؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال: ما حملك على أن أذنت هذه الساعة، وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه؛ فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرهم؟!
فقلت: يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟
فقال: أنت آمن. فذكرت له القصة قال: فغضب غضبا شديدا، وأمر بإحضار ذلك الأمير والمرأة من ساعته على أي حالة كانا!
فأحضرا سريعا فبعث بالمرأة إلى زوجها مع نسوة من جهته ثقات، ومعهن ثقة من جهته أيضا، وأمره أن يأمر زوجها بالعفو والصفح عنها والإحسان إليها، فإنها مكرهة ومعذورة،
ثم أقبل على ذلك الشاب الأمير فقال: له كم لك من الرزق؟ وكم عندك من المال؟ وكم عندك من الجوار والزوجات؟
فذكر له شيئا كثيرا.
فقال: له ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك؟! حتى انتهكت حرمة الله، وتعديت حدوده، وتجرأت على السلطان، وما كفاك ذلك أيضا، حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف، ونهاك عن المنكر؛ فضربته وأهنته وأدميته، فلم يكن له جواب؛ فأمر به فجعل في رجله قيد، وفي عنقه غل ثم أمر به فأدخل في جوالق [وعاء] ثم أمر به، فضرب بالدبابيس ضربا شديدا حتى خفت! ثم أمر به فألقي في دجلة! فكان ذلك آخر العهد به!
ثم أمر بدرا صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الحواصل والأموال التي كان يتناولها من بيت المال،
ثم قال لذلك الرجل الصالح الخياط: كلما رأيت منكرا صغيرا كان أو كبيرا ولو على هذا! ـ وأشار إلى صاحب الشرطة ـ؛ فأعلمني، فإن اتفق اجتماعك بي، و إلا فعلى ما بيني وبينك الأذان؛ فأذن في أي وقت كان، أو في مثل وقتك هذا.
قال: فلهذا لا آمر أحدا من هؤلاء الدولة بشيء إلا امتثلوه ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه خوفا من المعتضد، وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن!. اهـ.
هذا القصة العجيبة الغريبة، وإن لم يتحقق ثبوتها إلا أن فيها عبرا كثير منها:
* الحذر من معاملة الكبراء، والظلمة، ومَن لا يستطيع المرء إخراج حقه منهم.
* خبث هذا الأمير، وبخله، فبدلا من أن يعطيه حقه، ويشكره فعل ما فعل من أذيته، والتهرب منه، وهذا ـ مع الأسف ـ انتشر الآن، فقل من يفي من غير مماطلة مما سبب قلة المعروف بين الناس.
* قول الرجل فأيست من المال .. الخ
غلط فعلى المسلم أن لا ييأس من رحمة الله، وعليه أن يلح في الدعاء، ويكثر الالتجاء إلى الله حتى يرفع عنه البلاء قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (87) سورة يوسف.
* يؤخذ من رفض إمام المسجد (الخياط) أخذ المال الذي عرض عليه التاجر ..
عِظَمُ شأن هذا الرجل، وزهده في الدنيا، وتعففه عن المال، وابتغاؤه ثواب الله بهذا الجاه الذي حصل له من الله.
* في القصة: (فمرت به امرأة حسناء)
يؤخذ منه أن خروج المرأة غير متحجبة بالحجاب الشرعي، وظهور شيء من محاسنها يغري بها أهل الفساد، والمجون ويُعرضها للفتن، وهذا مشاهد، فيندر أن يتعرض الفساق للمرأة المحتشمة.
* في القصة (عليها ثياب مترفة ذات قيمة)
أن خروج المرأة بالثياب الرفيعة، وإظهارها زينتها في الملبس = سبب للافتتان بها.
فانظروا إلى بعض ما يلبس النساء اليوم من العباء المخصر والمزركش ..
هل هذا ستر؟ أليس القصد من هذا اللباس ستر المفاتن فما باله أصبح الفاتن!
* أن خروج المرأة لوحدها يعرضها للمخاطر خصوصا إن كانت شابة ذات هيئة، ويلاحظ أنه لا يكفي أن تخرج معها امرأة مثلها، أو صبي؛ لأنهم لا يغنون عن أنفسهم شيئا، فعن غيرهم أولى، وهذا مع الأسف منتشر في الأسواق، والمستشفيات، وغيرها ..
* أن الخمر أم الخبائث، فهذا الرجل لما سكر تعدى الحرمات جهارا، ولم يراع أحدا ولم يخش عاقبة فعله؛ لأنه لا عقل له.
* لما تعلق هذا الرجل بالمرأة قالت: يا مسلمين .. الخ
¥