ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[06 Dec 2005, 09:33 ص]ـ
وسؤال آخر يأتيكَ من أخِ صديقٍ لا يفقه في الأدب شيئا ولا يعرف من الشعر إلا الحداثي!
تراهُ عند السؤال مقطّب الحاجبين منتفخ العينين يلوّح بيديه مستنكرا: " ياخي وش الي يعجبك بقصائد ابن زيدون وابن بطيخ!
عندي اليوم قصيدة لشاعر معروف أكيد راح تعجبك ... تحب تسمع؟ " فقلت: بشرطِ أن أُسمِعكَ وتُسمعني، تمتم حانقا:"طيب اسمع! عنوان القصيدة: الحبّ الورديّ" عندها رددتُ في نفسي: اللهم سلّم! ما بالُ هؤلاءِ القومِ لا يكتبونَ إلا في الحب وهم قد جعلوا عاليَه سافله وسافله عاليه،
ويمضي الأخ - وقد تملكه الطرب من قراءة العنوان! - قائلا:
" استيقظتْ طيورُ الحب الورديّة على أصوات الضفادع المسحورة في البحيرة البنفسجية!! " ولا أخفيكم القولَ أيها القراء الكرام بأني كدتُ أن أنفجر ضاحكا لكني تمالكتُ نفسي بَيْدَ أنّي لم أستطع إخفاءَ ابتسامةٍ رَصَدَتْها عيونُ صاحبي!
وسرعان ما اكفهرّ وجهه وتسارعتْ أنفاسه وتمتمَ غاضبا: " أكيد راح تقول لي هذا مو شعر ... مافي معنى وما في محسنات وصور بلاغية وما أعرف إيش ... "
قاطعته قائلا: " هل تسمعُ ما عندي يرحمك الله؟ " قال: " ما أحب أسمع الشعر الفصيح! وأتحداك تكتب قصيدة واحدة حداثية " قلتُ: "حبّا وكرامة ... أرتجلها لك الساعة! " لوّح بيديه ونظرات التحدي تطل من عينيه وقال: "هات" فانشدتُ:
في القلب شجونٌ وشجونْ .... والطيرُ الأحمر مسجونْ
آه ... ما أقسى الفراق!
الماضي يسرقني والحاضر يركلني ....
وأنا ما بين الماضي والحاضر كالمسكينْ .....
آه .... ما أقسى الدنيا والعالم!
مات الطير ومات الحب ومات الكلّ
وأنا وحدي أتجرّعْ ...
أتجرّعُ ماذا؟
لا أدري!
صاح بي صاحبي وسحائب الإعجاب قد غزتْ وجهه: "عجيب! تراك منت بهيّن"!
قلتُ في نفسي: "فسدَتْ ذائقة الناس والله المستعان .... حتى صاروا لا يعرفون الغث من السمين ولا يفرّقون بين الشِّعْر والشعير!
أين الإهتمامُ باللغةِ التي نزلَ بها القرآن الكريم؟! أين الأدب الذي يدعو إلى الإسلام عقيدة وفكرا؟! أين الأدبُ الذي يدعو إلى التمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة؟!
هل يعي الناسُ قيمة الأدبِ ودوره في بناءِ المجتمعاتِ والدعوة إلى هذا الدين والدفاع عنه كما فعل شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه وغيره من شعراء الدعوة؟!
أين هؤلاء الكتّاب من قول الشاعر:
وما من كاتب إلا سيفنى**ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء**يسرك في القيامة أن تراه
وقد قيل: العاقل من خزن لسانه، ووزن كلامه، وخاف الندامة.