السلمان رحمه الله، خاصة موارد الضمآن، فكان لايتردد في جرد أي كتاب يقع بين يديه، وإني لأرجوا من واسع فضل الله أن يبعث يوم القيامة في زمرة طلاب العلم، فالله ذو الفضل العظيم.
وما زلت أذكر وهو يحدثني بحديث صحيح، لم يقم منه حرفا واحدا إلا أن المعنى كان محفوظا عندي، فكنت أمسك نفسي وأمنعها من أن يرى مني نواجذي فيقطع حديثه، وما ذاك إلا لبساطة أسلوبه وجمجمة منطقه (النبي اللهم صلي عليه، أعطى بنته فاطمة لعلي رضوان الله عليه، الله الله ياعلي، لكن تخبر الرجال يحبون النساء وعندهم رغبة في العرس، تدري وش سوى، راح وبدون ماتدري مرته فاطمه وخطب عليها واحدة، لكن النسوان مايسكتون مالهم سر، سولفوا الحريم ووصل العلم فاطمة، راحت وعلمت أبوها اللهم صلي عليه، واشتكت له من علي وعلمته بكل شئ، قال وش ذا الكلام؟ خلاص يابنتي ماعليك منه، أنا بشوف لعلي، هيا عدت أيام وليالي وعلي ماله الطاري؟، والله وفي يوم من الأيام ياحبيب أخوه، وعلي كان يمشي في طريق في المدينة، وما وعي إلا والله انه مع النبي الوجه في الوجه، هيا مسكه النبي وقال: الله ياعلي وش ذا الي سويت، أعطيك فاطمه إلي ماعندي إلاهي وتبور فيها؟ ... ).
اللهم صل وسلم وبارك على رسولك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا يارب العالمين، اللهم وارض عن ابن عمه وزوج بنته علي ابن ابي طالب وسائر الصحب الكرام، وارحم هذا الرجل الصالح بحبه لدينك وكتابك ونبيك وسائر أموات المسلمين.
وقد روينا بحمد الله في صحيح البخاري عن أبي عبدالله قال:حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني علي بن حسين، أن المسور بن مخرمة، قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد، يقول: " أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبنت عدو الله عند رجل واحد " فترك علي الخطبة.
معاذ الله إن كنت أتندر بإيراد مثل هذا الخبر، لكن أحببت من خلال ذلك أن أرسم ابتسامة على بعض الشفاه التي ربما أصابها الجفاف لتصاعد درجات الحر، حتى خد في بعضها أخاديد، فلربما دعاك داع الظن عند رؤية بعضهم إلى أن تقول: ياله من زمن ارتسمت فيه الابتسامة على جميع الأفواه، كلا ياصاح لا تستسمن ذا ورم، فليس الأمر إلا ماذكرت لك، أما سمعت بقول أبي الطيب:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة = فلا تظنن أن الليث يبتسم فإنما هذا من ذاك.
أقول ماقلت: أرجوا أني أبتغي بذلك الأجر من رب العالمين، ولنذكر بعظيم فضل الله على من أخذ الله بيده وعلمه من علمه، وفتح له من واسع فضله، فبضدها تتبين الأشياء.
ولأبين أن التعامل مع العامة وصغار السن، قد يكون من أصعب الأمور في كل الميادين، في التعليم والتثقيف والتلقين، ولن يستطيع طالب العلم السير معهم إلا إن كان ذا فطنة وإيالة.
وللأدباء حديث طويل عن مخالطة الصبية وأثر ذلك على عقل المعلم وفكره وسلوكه، نتركه ولا نتعرض له بشئ، لمافيه من حق وباطل، لايليق إيراده بمثل هذا الصفحات، ولو أن قصة الجاحظ في تأليفه لأحد كتبه في مثالبهم، ثم عزوفه عن ذلك لتعرفه على أحدهم ـ مجنون أم عمرو ـ، ثم نشره للكتاب من بعد ذلك، لمن أمتع القصص وأظرفها وأحسنها حبكا، ولكن خشية من السآمة والملل أن تضرب أذهان القراء نكتفي بهذا القدر.
تحشية
(1) ـ هذه الفويسقة الصغيرة مع خستها، إلا أن لها فطنة وقصة تأخذ باللب، نفردها بصفحة إن شاء الله، ندلل فيها على بديع صنع الله، ونذكر مايطرب لسماع مثله القلب ويعجب له اللبيب ويحار الحليم من شجعان خاضوا الحروب وقاتلوا الأسود لكنهم من هذا المخلوق يرعبون ويفرقون وليس ثم إلا التسلل لواذا فيهربون، فسبحان الله العظيم.
(2) ـ حدث بن كعرم في كتاب أمثال بدعة والفرعة، قال: حدثني الدغس أنه سمع بن خودان وقد كان من الملازمين لمجلس أبي عمرو بن العلاء دهرا كريتا، أنه سمعه غير مرة يردد هذا المثل (لايعجبك ثور باسته هبرة)، ويذكر أنه سمعه من أعرابي ينتجع ببهمه بين الرهوة والسدين.
قال ابن الشجري عفا الله عنه في أماليه: ومرادهم والله أعلم، لا يغرنك الرجل الكلثوم الذي له خدين كإليتي الطفل الصغير، فخيره قليل ونومه كثير ... .
قلت: استغفر الله، فهذا القول لايصح في ميزان الشرع وإن صح عند أهل الأدب، مع الحديث الوارد في البخاري وغيره في ذم السمن إلا أن له تخريجا عندهم، لايسع المقام لتفصيله واستطراد جوانبه الساعة.
(3) ـ إياك والظن بأن الصلاح والتقوى وحسن الخلق حكر على طالب العلم، فهناك من عامة المسلمين من تود أن تلقى الله ببعض أعمالهم مع بعدهم عن طلب العلم، فلربما تجتهد دهرك على أن تسبق أحدهم للبكور لصلاة الفجر أو الصف الأول فلا تستطيع، أو بر أحدهم بوالديه أو غير ذلك من أعمال البر ... ، فلا تظنن ياطالب العلم بأنك بالعلم وحده قد حملت الراية، دون عمل صالح يوصلك الغاية، وما أجدر هذا بمقال ييسره الله، ولنا فيه رواية صادقة يسر الله إتمامها.
كان هذا مقالا كتبته في فسحة من الخاطر، أوائل إجازة صيف هذا العام 5/ 1426
ثم لم يتسن لي طرحه للقراء الكرام إلا هذه الساعة فالحمد لله على ما أعان ويسر
وقد كتبت بعده عدة مقالات علمية وأدبية، إخترت هذا المقال من بينها لمناسبة الوقت والحال لما التمسته من ركود اكتسح الخواطر والأقلام
فكان الإحماض وما سبيله العلم المملح
ـ أو ملح العلم كما يسميه الشاطبي رحمه الله ـ
أخف تناولا، وإن كان لايخلوإن شاء الله من فائدة تلتمس هنا أو هناك.
والله أسأل أن يسبغ علي وعلى الجميع ثوب الصحة والعافية
وأن يهب الستر الجميل في الدنيا والأخرة
فوالله لهو أهل لكل جميل وهبات وافرة
الاثنين 5/ 10/1426.
¥