تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا شك أن وصول تلك الحجج لابن حزم كان من خلال كتب المقالات والملل والنحل, وردود كل طائفة على الطوائف المخالفة لها في الملة أو النحلة. لكننا لا نشك في أن لابن حزم أيضا انتقادات وحجج لم يسبق إليها, نجد عليها طابعه الذي عرف به في النقد والجدل, أعني قدرته على كشف المناقضات, وصك وجوه الخصوم بالمعضلات, وفحص الروايات التاريخية بعرضها على المعارف العلمية, واستخراج أغلاطها لإثبات أن مؤلفيها ما كانوا معصومين من الزلل فهم بذلك ليسوا أنبياء." انتهى النقل من المقال المذكور.

وهذا التميز لابن حزم عن الباقين يدل على العناية الفائقة التي بدلها في بحث المسألة فهو لم ينقل نصوص الكتاب المقدس عن غيره من المسلمين أو المهتدين كما فعل كثير غيره بل لقد بحث عن الترجمة العربية للتوراة وباقي أسفار العهد القديم وطالع أجزاء من التلمود البابلي ومن كتب الأحبار التي كانت مترجمة على ما يبدو للعربية من طرف يهود الأندلس.

كما أحاط علم ابن حزم بتاريخ اليهود إحاطة تثير الإعجاب فهو مثلا لم يجعل حزقيال النبي معاصرا ليوشع ابن نون كما فعل ابن جرير الطبري في تاريخه, بل تجده ابن حزم لا تختلط عليه أسماء الأشخاص ولا عصورهم ولا الكتب المنسوبة إليهم وقد وقع له في النادر (نحو المرتين) الإحالة من ذاكرته على نص ثم يعزوه إلى غير موضعه نظرا لاشتراك الكتابين في مضامين متقاربة المعنى, لكن لن يخفى على المطلع الخبير مكان النص الذي يقصده ابن حزم وسبب غلطه في العزو.

كما يتميز ابن حزم بشيء آخر ألا وهو إخراجه قضية التحريف من دائرة الجدل النظري الضيق والفضفاض (الدائر منذ قرون قبله بين المسلمين وأهل الكتاب) حول إمكان أو استحالة وقوع التحريف في كتب أهل الكتاب المقدسة, إلى دائرة الفحص المباشر لتلك الكتب نفسها بغرض الفصل بين طرفي النزاع, ويعد هذا سابقة لابن حزم سبق بها مدارس نقد الكتاب المقدس في اوروبا.

(و المزيد يأتيكم إن شاء الله في الحلقات القادمة).

وكتب سمير قدوري. 22 يناير 2005م.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير