[3] فإن قيل: فإنكم تقرون بالتوراة والإنجيل, وتستشهدون على اليهود والنصارى بما فيهما من ذكر صفات نبيكم, وقد استشهد نبيكم عليهم بنصها في قصة الرجم للزاني المحصن , ورُويَ أن عبد الله بن سلام ضرب يد عبد الله بن صوريا إذ وضعها على آية الرجم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال آمنت بما فيك.
وفي كتابكم:
[1] ((يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم)) سورة المائدة 68.
[2] وفيه أيضاً ((قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)) سورة آل عمران 93.
[3] وفيه أيضاً: ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)) سورة المائدة آية 44.
[4] وفيه ((وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)) سورة المائدة 47.
[5] وفيه: ((ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)) سورة المائدة 66.
[6] وفيه ((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم)) سورة النساء 47.
[7] وفيه ((وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) سورة المائدة الآية 43.
[الجواب]
قلنا وبالله تعالى التوفيق: كل هذا حق- حاشا قوله عليه السلام آمنت بما فيك فإنه باطل لم يصح قط- وكله موافق لقولنا في التوراة والإنجيل بتبديلهما وليس شيء منه حجة لمن ادعى أنهما بأيدي اليهود والنصارى كما أُنزلا, على ما نبين الآن إن شاء الله تعالى بالبرهان الواضح.
قال أبو محمد
[أ] أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل, فنعم, وأي معنى لتمويهكم بهذا, ونحن لم ننكرهما قط بل نكفر من أنكرهما؟ إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً, وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً, وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً, وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً, وأنزل كتباً لم تسم لنا على أنبياء لم يسموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك. قال الله تعالى ((صحف إبراهيم وموسى)) سورة الأعلى 19. وقال الله تعالى ((وإنه لفي زبر الأولين)) سورة الشعراء 196.
وقلنا ونقول: إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ((لا معقب لحكمه)) سورة الرعد 41. وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون , فدرس ما بدلوا من الكتب المذكورة, ورفعه الله تعالى, كما درست الصحف وكتب سائر الأنبياء جملة فهذا هو الذي قلنا.
وقد أوضحنا البرهان على صحة ما أوردنا من التبديل والكذب في التوراة والزبور ونورد إن شاء الله تعالى في الإنجيل أيضا, وبالله تعالى نتأيد , فظهر فساد تمويههم بأننا نقر بالتوراة والزبور والإنجيل, ولم ينتفعوا بذلك في تصحيح ما بأيديهم من الكتب المكذوبة المبدلة, والحمد لله رب العالمين.
[ب] وأما استشهادنا على اليهود والنصارى بما فيهما من الإنذار بنبينا صلى الله عليه وسلم فحق, وقد قلنا آنفاً أن الله تعالى أطلقهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين, كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المُثَل, وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم, كما كف أيديهم عمن أراد كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم , وقد غَرَّق الله تعالى قوم نوح عليه السلام, وقوم فرعون نكالاً لهم, وغرق آخرين شهادة لهم, وأملى لقوم ليزدادوا إثما , وأملى لقوم آخرين ليزدادوا فضلاً. هذا ما لا ينكره أحد من أهل الأديان جملة, وكان ما ذكرنا زيادة في أعلام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضحة, وبراهينه اللائحة, والحمد لله رب العالمين. فبطل اعتراضهم علينا باستشهادنا عليهم بما في كتبهم المحرفة من ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم.
¥