[ج] وأما استشهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن وضرب بن سلام رضي الله عنه يد ابن صوريا إذ جعلها على آية الرجم فحق, وهو مما قلنا آنفاً أن الله تعالى أبقاه خزياً لهم وحجة عليهم , وإنما نحتج عليهم بهذا كله بعد ثبات رسالته صلى الله عليه وسلم بالبراهين الواضحة الباهرة بالنقل القاطع للعذر على ما قد بينا, ونبين إن شاء الله تعالى, ثم نورد ما أبقاه الله تعالى في كتبهم المحرفة من ذكره عليه السلام إخزاء لهم, وتبكيتاً وفضحا لضلالهم, لا لحاجة منا إلى ذلك أصلاً, والحمد لله رب العالمين.
[د] وأما الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال: آمنت بما فيك , فخبر مكذوب, موضوع, لم يأت قط من طريق فيها خير, ولسنا نستحل الكلام في الباطل لو صح, فهو من التكلف الذي نهينا عنه, كما لا يحل توهين الحق ولا الاعتراض فيه.
[1] وأما قول الله عز وجل ((يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم)) المائدة 68. فحق لا مرية فيه, وهكذا نقول, ولا سبيل لهم إلى إقامتهما أبداً, لرفع ما أسقطوا منهما, فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيحصلون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل, لأنهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وُجد أو عُدم, ويكذبون بما بدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما, وهذه هي إقامتهما حقاً, فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل, والحمد لله رب العالمين.
[2] وأما قوله تعالى ((قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)) آل عمران آية 93. فنعم, إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم, فبكتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم. وكم عرض لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا معهم قبل أن نقف على نصوص التوراة, فالقوم لا مؤونة عليهم من الكذب حتى الآن إذا طعموا بالتخلص في مجلسهم ذلك بالكذب, وهذا خلق خسيس, وعار لا يرضى به مصحح, ونعوذ بالله من مثل هذا.
[3] وأما قوله تعالى ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله)) المائدة 44. .
فنعم. هذا حق على ظاهره كما هو, وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة, وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام, ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء لكن حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام قبل حدوث التبديل , هذا هو نص قولنا, وليس في هذه الآية أنها لم تبدل بعد ذلك أصلاً, لا بنص ولا بدليل , وأما من ظن بجهله من المسلمين أن هذه الآية نزلت في رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهوديين اللذين زنيا وهما محصنان, فقد ظن الباطل, وقال بالكذب, وتأول المحال, وخالف القرآن, لأن الله تعالى قد نهى نبينا عليه السلام عن ذلك نصاً بقوله ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ َمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)) المائدة 48.
وقال عز وجل ((ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)) المائدة 49.
قال أبو محمد فهذا نص كلام الله عز وجل الذي ما خالفه فهو باطل.
[4] وأما قوله تعالى: ((وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)) المائدة 47. فحق على ظاهره لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, واتباع دينه, فلا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم, فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله, ولم يأمرهم قط تعالى بالحكم بما سمي إنجيلاً وليس إنجيلا, ولا أنزله الله تعالى- كما هو- قط. فالآية موافقة لقولنا, وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل, إنما فيه إلزام النصارى الذين يسمون
¥