و الإسلام هو الإيمان بالله الحي الذي لا يموت الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل, إله إبراهيم و إسماعيل و يعقوب و عيسى’ وسائر النبيين, و إله الخلق أجمعين, الذي لا ابتداء له ولا أنداد ولا أولاد ولا أتراب ولا أنساب , وأنه خالق الأشياء كلها, لا من شيء ولا على حد, ولا مثال بل كيف شاء, وبأنه قال لها كوني فكانت على قدر واحد, وهو القدير الرؤوف الوهوب الذي لا يظلم مثقال ذرة, ولا يشبهه شيء في الأرض ولا في السماء, وهو الغالب الذي لا يغلب, والجواد الذي لا يبخل, و العالم الذي لا يجهل. لا يفوته ظلم ظالم, ولا تخفى عليه خافية, يعلم ما يلج في الأرض, وما يخرج (8) منها وما ينزل من السماء, وما يعرج فيها وكل له قانتون, وأن محمدا صلى الله عليه وسلم نبيه ورسوله, وكذلك موسى, وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين, و سائر الأنبياء لا نفرق بين أحد من رسله, و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور. وأن الأبرار لفي نعيم و أن الفجار لفي جحيم. فهذه شريعة أهل الإسلام و دينهم.
[المسائل السبع المسكتات]:
و أول المسائل المسكتات: أنا نسأل النصارى عن هذا التوحيد الذي شرحته, والإيمان الذي وصفته هل هو حق أم باطل؟ فإن قالوا حق, فالذي هم عليه باطل لأنهم يؤمنون بثلاثة آلهة, بل أربعة, وهم الاب والابن و الروح القدس, و إنسان أزلي وهو يسوع المسيح. و حقيقة ذلك في شريعة إيمانهم التي أنا مفضح لها و مبدي سرها, و أنها تنطق بأن يسوع المسيح مخلوق وليس بخالق كما يقولون, فإن قالوا أن ما شرحت في التوحيد باطل, كفروا بما جاء به موسى و عيسى و سائر الأنبياء عليهم السلام, وكلهم موحد مخلص. قال الله تعالى لموسى عليه السلام في التوراة- وكل النصارى يشهدون بها- (إنني أنا الله" أهيا أسر أهيا" إله إبراهيم و إله إسحاق و إله يعقوب هذا اسمي إلى الأبد, وهذا ذكري إلى دهر الداهرين) و قال في السفر الثاني (أنا الرب إلاهك فلا تعبد إلاها غيري, ولا تسجد له, ولا تشبه بي شيئا مما في السماء ولا مما في الأرض ول مما تحت الماء).
وقد كان يسوع المسيح – صلوات الله عليه- في الأرض, فمن قال إنه الله, فقد عصى الله. و قال لموسى عليه السلام – في تسبيح- له (أنا الله-عز وجل- واعلموا أني أنا وحدي وأني أنا أميت وأحيي وأنا أسقم وأنا أشفي ولا ينجو مني ناج). وافتتح متى الإنجيل الأول فقال (كتاب مولود يسوع المسيح ابن إبراهيم) وهذا إقرار بأن الله قديم لا يتولد, فإن المتولد محدث, وليس الله محدثا بل هو محدث كل حادث. و قال متى تلميذ المسيح في الفصل الرابع من إنجيله أن (رجلا قال للمسيح أيها الحبر. فقال المسيح مجيبا له لم سميتني حبرا ليس الحبر إلا اله وحده) وقال يوحنا في الفصل السادس (9) عشر من إنجيله (أن المسيح رفع بصره إلى السماء وتضرع إلى الله وقال إن الحياة الدائمة, يجب للناس أن يعلموا أنك أنت الله الواحد الحق وأنك أنت أرسلت يسوع المسيح). فهذا هو التوحيد المحض المصرح, و الاعتراف بأنه مبعوث, وهذا إيمان المسيح وجميع الأنبياء عليهم السلام (لا ما افتراه ضلال النصارى) اغترارا شديدا و جرأة على الله المجيد. فإن قال قائل منهم "إن المسيح وإن كان وحد واعترف أنه مبعوث كما في الإنجيل فقد اعترف في غير موضع أنه الأزلي الخالق", فقد شنع على المسيح أقبح التشنيع ونسبه إلى التناقض باعترافه مرة بأن الله واحد وأنه مبعوث, وادعاؤه بعد ذلك أنه خالق أزلي. والمسيح برئ من ذلك, ومن نسبه إلى ما يليق بالعقل. لأن الإنجيل نطق أنه قال (إني لم أجئ أعمل لمشيئتي بل لمشيئة من أرسلني) وقال متى تلميذ المسيح في إنجيله (أن الشيطان دعا المسيح أن يسجد له وأراه ممالك الدنيا و زبررجدها وزخرفها ثم قال اسجد لي لأجعل هذا كله لك فقال المسيح عليه السلام إنه مكتوب ألا تعبد إلا الرب إلاهك ولا تسجد لشيء سواه).
¥