المسألة الثانية من المسكتات: أنا نسألهم عن ما وصف به المسيح نفسه هل يكون محقا في بعض و مبطلا في بعض؟ فإن قالوا "إنه محق في بعض ذلك, ومبطلا في بعضه" كفروا به و كذبوا بأخباره, وإن قالوا إنه محق في جميع ذلك, فقد أقروا بأنه مبعوث, وأنه مربوب, وأن الله واحد فرد كما قدمت وبينت من قوله, وهذا خلاف لما في شريعة إيمانهم التي تقول " إنه إله حق من إله حق" فمن قال في المسيح بمثل ما قال في نفسه فهو المؤمن به, ومن قال فيه بخلاف ما وصف به نفسه فهو المخالف المغرور, لأن المسيح قال عن نفسه [في] ما حكاه عنه يوحنا في آخر إنجيله (ها أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) , وقال [متى] في الفصل الرابع من إنجيله أن المسيح قال لتلامذته (من قبلكم وآواكم فقد قبلني , ومن قبلني فإنما يقبل من أرسلني, ومن يقبل نبيا باسم نبي فإنما يفوز بأجر من قبل النبي) وقال يوحنا التلميذ في الفصل الخامس من إنجيله (إنني لم أجئ أعمل لمشيئة نفسي بل لمشيئة (10) من أرسلني, ومشيئته أن لا أضيع شيئا مما وهبه لي) فهذا الإقرار بأنه موهوب مبعوث و ليس بجحود.
الثالثة من المسكتات: أنا نسألهم عن الأزلي الخالق هل يتغير عن حال قدمه و جوهريته و تحاف عليه الأمراض والموت أم لا؟
فإن قالوا إنه يتغير أو يموت, فقد مات إيمانهم, وكان قائل هذا القول كمن شبه الله تعالى بالأنعام, وكمن شبه المسيح بالكلاب والخنازير, وكمن شبه إشعياء النبي بالحمر والبقر في قوله في كتابه (عرف الثور من اقتناه, والحمار مربط ربه, ولم يعرف بنوا إسرائيل قدر ذلك).
وإن قالوا" إن الأزلي الخالق لا يتغير ولا يموت" خالفوا شريعة إيمانهم, ومن خالفها كان عندهم كافرا بها, فإنها تقول"إن يسوع المسيح خالق غير مخلوق, وأنه إله حق من إله حق من جوهر أبيه, وأنه قتل وصلب و أولم" فإلههم إذا قد تغير ومات, وأنا موضح فساد هذه الشريعة و تناقضها, وأنها [لا] تثبت للحق بل تنتثر انتثارا , وإذا صح فسادها فسد الإيمان, ومن أقام على إيمان فاسد أقام على غرر عظيم.
الرابعة من المسائل المسكتات:
أنا نسألهم عن هذه الشريعة - التي لا اختلاف بين جماهيرهم فيها, ولا يتم لهم قربان إلا بها- هل هي حق من أولها إلى آخرها, أو باطل كلها أو بعضها حق وبعضها باطل؟ فإن قالوا" بعضها حق و بعضها باطل", أبطلوا بعض الإيمان وكفروا به, وفي بطلان بعضه فساد كله, وإن قالوا هي حق من أولها إلى آخرها, فمفتتح [تلك الشريعة] يقول " إنما نؤمن بالله الواحد الاب مالك كل شيء, وصانع كل ما يرى, وما لا يرى", فإن كان ذلك صحيحا فالمسيح إذا مخلوق مبعوث, لأنه لا يخلو أن يكون من الأشياء التي ترى أو من الأشياء التي لا ترى, فمن أيها كان فهو مخلوق, والله خالقه لقول شريعة الإيمان" إن الله خالق من يرى ومن لا يرى", وإن احتج محتج و قال"إن في آخر الشريعة بعينها ما يشهد لهم بأن المسيح هو أيضا إله حق من إله حق, وأنه خالق كل شيء" كان الجواب فيه, إن كان آخر شريعتهم موافقا لأولها فالأمر كما قلناه, وإن كان آخرها مخالفا لأولها فالشريعة إذا فاسدة متناقضة, وإذا فسدت الشريعة فسد الإيمان بها, وضل المؤمنون بها, ولا أعلم من الهثهاث و الهث شيئا أشنع من أمة تقوم بين يدي إلهها فترفع أصواتها فتقول" نؤمن بأنك أنت الله الواحد وأنك خالق كل ما نرى وما لا نرى" ثم يقولون" نعم يا رب و نؤمن بإله آخر هو خالق الأشياء كلها مثلك" ولو خاطب رجل بمثل هذا الخطاب سيدا أو سلطانا لكان ذلك سخفا منه (11) واستخفافا بقدرته فكيف بمن يخاطب بمثل هذا القول الخلاق العليم تعالى الله عن مثل هذا القول.
الخامسة من المسائل المسكتات:
أنا نسألهم عن المسيح هل هو الخالق الأزلي كما في شريعة إيمانهم أم هو إنسان مصطفى كما في شريعة إيماننا أم هو إله و إنسان كما قالت طوائف منهم؟ فإن قالوا هو إنسان مخلوق مبعوث, وافقوا المسلمين في شريعة إيمانهم, وإن قالوا بل هو إله خالق أزلي, خالفوا الإنجيلات و غيرها من الكتب, وكفروا بها. فقد قال متى في الفصل الثامن من إنجيله- يستشهد بنبوءة إشعياء- (بشأن) المسيح –عليه السلام- حين قال عن الله عز وجل (هذا عبدي الذي اصطفيته و حبيبي الذي ارتاحت له نفسي ها أنا ذا واضع روحي عليه و يدعو الأمم إلى الحق) وهذا تصريح بحجة و إشعياء نبي وليس بمتهم, والمحتج بنبوته الإنجيل.
¥