فالعبد لا يكون إلاها والإله لا يكون عبدا كما وسمتموه, فتدبروا ذلك أيها النصارى. وقد قال مارقس التلميذ في إنجيله إن المسيح قال وهو على الخشبة (يا إلهي (لم) خذلتني) وذلك آجر كلام تكلم به في الدنيا, وقال متى في الفصل العشرين من إنجيله أن المسيح تناول خبزة فكسرها وناول الحواريين كسرة وقال (هذا لحمي وناولهم كأسا فيها مشروبا وقال هذا دمي). ومن كان له لحم ودم فهو جسم, وكل جسم له طول وعرض وعمق, وما كان كذلك فهو مذروع موزون, والله جل جلاله لا يذرع ولا يوزن لأن كل مذروع متناه محدود, وكل متناه صائر إلى البلا والفساد, وقال لوقا في الفصل الثالث من إ نجيله يصف المسيح عليه السلام إذ كان صبيا فيقول (إن الصبي كان يتربا في قامته وحكمته ويتزيد عند الله وعند الناس) , وقال في هذا الفصل (إن الصبي كان يتربا ويقوى بروح القدس, ويمتلئ حكمة, وكانت نعمة الله ظاهرة عليه) , ومحال أن يقول الأزلي الخالق إن له إلاها, ويقال فيه إنه إذ كان صبيا كانت نعمة إله أزلي آخر ظاهرة عليه. وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله أن المسيح قال لتلامذته (12) (إن كلامي الذي سمعتموه هو كلام من أرسلني)
وقال في هذا الفصل (إن أبي أجل وأعظم مني) , وقال يوحنا في إنجيله عن المسيح (كما أمرني ربي فكذلك أفعل فقوموا نمضي (من هذا المكان) فإني أن الكرم الحق و أبي هو الفلاح) وقال في الفصل الرابع عن المسيح أنه قال (أسأل أبي أن يعطيكم فارقليط آخر) (النور المضيء الذي لا يزل عن الطريق, كيف يقال له كذا يقول وهو يشهد عي وأنتم تشهدون وأنا أنبئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالبيان) وقال لوقا في آخر إنجيله أن المسيح دخل على تلامذته بعد أن قام من بين الموتى وهم مجتمعون في غرفة قد أغلقوا بابها فارتابوا به وارتاعوا منه وظنوا أنه روح من الأرواح قد ولج بابهم (وعلم المسيح وجلهم من ذلك من ذلك فقال لهم جسوني يا هؤلاء واعلموا أن الأرواح لا يكون لها لحم و عظم مثل ما تجدون لي من اللحم والعظم) وقد علمنا أن اللحم والعظم مصنوعان و أن صانعهما ليس بجسم بل هو مبتدع الأجسام, فمن قال إن المسيح مربوب و أنه كان صبيا يذهب طولا وعرضا وأن من كان كذلك فليس بأزلي خالق بل مخلوق فقد وافق المسيح و تلامذته, ومن قال بخلاف ذلك فهو مخالف لهم أجمعين, ونحن الموافقون لله و لمسيحه, وقد يخرج عليهم من هذا القول كبيرة أخرى أزرى وأشنع من الأولى, وهي أن المسيح إن كان أزليا خالقا كما في شريعة إيمانهم لزمهم أن يجعلوا بعض الرب خالقا أزليا وعضا ميتا مخلوقا لأن المسيح مقر بأنه لحم ودم, فاللحم والدم إذا خالقان أزليان, وقد علمنا أنهما يتولدان على الأغذية والأشربة, وتلك الأغذية و الأشربة أجزاء من أجزاء الدنيا فخالق الدنيا كلها جزء من أجزاء الدنيا, وذلك الجزء بعينه هو خالق نفسه أيضا لأنه جزء من الدنيا التي هو خالق كلها, فهذا أشنع ما يكون من البهتان وأبعد ما يكون من المعقول, ومن قبل ذلك ودان به جعل المخلوق خالفا والخالق مخلوقا كما بينا آنفا وذلك أنهم صيروا اللحم و الدم خالقا أزليا والأزلي الخالق لحما ودما, وبهذا تنطق شريعة إيمانهم لقولها إن المسيح خالق غير مخلوق, ويلزمهم أشنع من هذه, وذلك: إن كان بعض الدنيا هو خالق جميع الدنيا, وبعض الشيء لا يكون موجودا إلا بعد (13) وجود كله وما ليس بموجود, ولا معقول فهو لاشيء, فخالق الدنيا عندهم معدوم غير موجود, ومجهول غير معقول, وإذا كان خالقها غير موجود فهي إذا غير مخلوقة, وأظن أصحاب هذه الشريعة قصدوا إلى هذا المعنى بعينه لا إلى غيره, والمثل في ذلك قول من قال: إن جزءا من أجزاء الإنسان هو خالق الإنسان كله, وقد علمنا أن ذلك اللحم لم يكن قبل الإنسان, وما لم يكن قبل الإنسان فهو لاشيء.
السادسة من المسائل المسكتات:
[أنا] نسألهم عن المسيح هل كان في بلد من البلدان, وفي زمان من الأزمنة أم لا؟. فإن قالوا: إنه لم يكن في بلد ولا [في] زمان, فقد خالفوا الإنجيل, فإن متى التلميذ يقول في أول إنجيله: أن المسيح ولد في بيت لحم المنسوب إلى يهوذا, وأنه ولد في أيام هيرودس الملك , ويقول لوقا في إنجيله أنه وجد في المعلف مقموطا , وقتل في أيام فيلاطوس الملك , ومن كان في زمان من الأزمنة وفي مكان من الأمكنة فالزمان أبدا قبله والأمكنة كانت محيطة به, وما كان كذلك فهو مخلوق, ومتى ثبت أن المسيح مخلوق بطلت شريعة إيمانهم التي تقول: إنه إله حق من إله حق, وأنه خالق كل شيء. لأن الزمان شيء من الأشياء المخلوقة, والزمان قبل يسوع المسيح الذي خلق الأشياء كلها فكيف يجوز أن يكون الزمان قبل خالق الزمان والمكان محيط بمبتدع المكان؟ وهذا من أشنع ما يكون من العائط والبهتان, والمولود الذي ولد في زمان وحصره مكان فهو إنسان ابن إنسان, وعبد ابن أمة, وفي هذا نقض الشريعة, وإبطال الدين ( ... ) وقطعت حججهم ومعاذيرهم فيما اختلقوا.
السابعة من المسائل المسكتات: أني وجدت يوحنا التلميذ يقول في الفصل الخامس من إنجيله (كما كان الاب حياة في جوهره فكذلك أعطى الابن حياة في قوته). وقال يوحنا التلميذ أيضا في الفصل الخامس من إنجيله: (أن المسيح قال: (إني لو كنت أنا الشاهد لنفسي على صحة دعواي لكانت باطلا ولكن غيري يشهد لي وأنا أشهد لنفسي و يشهد (14) لي أبي الذي أرسلني)
[ولنص الكتاب بقية ... ]