وقال أيضاً: ((الحج يهدم ما قبله))، و ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، و ((الحجاج والعُمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم)) حسنه الألباني، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب)). [رواه الترمذي والإمام أحمد عن ابن مسعود [/ size]][/size][/size][/font][/size] يذهب المسلم إلى بيت الله الحرام، ويُخلِّف في بلدته هموم المعاش والرزق، هموم العمل والكسب، هموم الزوجة والولد، وهموم الحاضر والمستقبل، وبعد أن يُحرم من الميقات يبتعد عن الدنيا كلياً، ويتجرَّد إلى الله عز وجل ويقول:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".
هذه التلبية كأنها استجابة لنداء ودعوة يقعان في قلبه، أن يا عبدي خلِّ نفسك وتعال، تعال يا عبدي، لأريحك من هموم كالجبال، تجثم على صدرك، تعال يا عبدي لأطهرك من شهوات تُنغِّص حياتك.
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمته مسؤول؟
تعالَ يا عبدي، وذق طعم محبتي .. تعال يا عبدي، وذق حلاوة مناجاتي.
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".
تعال يا عبدي لأريك من آياتي الباهرات، تعالى لأريك ملكوت الأرض والسماوات، تعالى لأضيء جوانحك بنوري الذي أشرقت به الظلمات، تعال لأعمر قلبك بسكينة عزت على أهل الأرض والسماوات تعال لأملأ نفسك غنىً ورضىً شقيتْ بفقدهما نفوس كثيرة، تعال لأخرجك من وحول الشهوات إلى جنات القربات، تعال لأنقذك من وحشة البعد إلى أُنس القرب، تعال لأخلصك من رُعب الشرك وذل النفاق إلى طمأنينة التوحيد وعز الطاعة.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك ".
تعال يا عبدي لأنقلك من دنياك المحدودة، وعملك الرتيب، وهمومك الطاحنة إلى آفاق معرفتي، وشرف ذكري، وجنة قربي، تعال يا عبدي وحُطَّ همومك ومتاعبك، ومخاوفك عندي، فأنا أضمن لك زوالها، تعال يا عبدي واذكر حاجاتك، وأنت تدعوني فأنا أضمن لك قضاءها
فكيف يكون إكرامي لك إذا قطعت المسافات، وتجشمت المشقات، وتحملت النفقات، وزرتني في بيتي الحرام، ووقفت بعرفة تدعوني، وتسترضيني.
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك، والملك، لا شريك لك".
تعال يا عبدي، وزرني في بيتي، لتنزاح عنك الهام، ولتعاين الحقائق ولتستعد للقاء،
تعال يا عبدي، وطُف حول الكعبة طواف المحب حول محبوبه، واسعَ بين الصفا والمروة سعي المشتاق لمطلوبه، تعال يا عبدي، وقبِّل الحجر الأسود، واذرُف الدمع على ما فات من عمر ضيعته في غير ما خُلقت له، وعاهدني على ترك المعاصي والمخالفات على الإقبال على الطاعات والقربات، " وكن لي كما أُريد لأكن لك كما تريد " كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تُسلِّم لي فيما أُريد أتعبتك فيما تريد،
ثم لا يكون إلا ما أريد خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك.
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك ".
تعال يا عبدي إلى عرفات، يوم عرفة فهو يوم اللقاء الأكبر، تعالى لتتعرض لنفحة من نفحاتي تطهر قلبك من كل درن وشهوة، وتُصفي نفسك من كل شائبة وهم هذه النفحات تملأ قلبك سعادة وطمأنينة، وتشيع في نفسك سعادة لو وُزِّعت على أهل بلد لكفتهم، عندئذ لا تندم إلا على ساعة أمضيتها في قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
تعال لعرفات يوم عرفة، لتعرف أنك المخلوق الأول من بين كل المخلوقات، ولك وحدك سخرت الأرض والسماوات، وأنك حُمِّلت الأمانة التي أشفقت منها الجبال والأرض والسماوات، وأني جئت بك إلى الدنيا لتعرفني، وتعمل عملاً صالحاً يؤهلك لجنة الخلد، تعال إلى عرفات يوم عرفة، لتعرف أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وأنك إن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كلُّ شيء.
¥