من دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم انصهر بأمته، وأضحى مثلهم؛ له ما لهم وعليه ما عليهم. يدعو الناس بغية سعادة يجنونها في الدنيا والآخرة، لم يفرق بين جنس وجنس، ولا بلد دون بلد، بل فتح الباب للجميع بدون استثناء، ولم يكن ذلك لغرض أدنى يسعى له، لحق بالرفيق الأعلى وهو مدين، لم يدع لأقربائه عرضا دنيويا، ولم يورثهم مالا، بل ورث العلم والمعرفة والدعوة لإنارة القلوب والنفوس؛ للسير إلى الله بوعي وبصيرة؛ لينتفع الجميع نفعا يخصهم، لم يرد منهم جزاء ولا شكورا.
عدلٌ في عطائه وقضائه؛لم يظلم أحدا، ولم يغضب لنفسه قط _إلا أن تنتهك حرمات الله فينتصر لها. أشجع الناس؛ يلتاذ أعظم الشجعان في حماه إذا حمي الوطيس، قاد الجيوش بحنكة ودراية أذهلت القواد الأفذاذ، أعظم أب عرفته الذرية بنين وبنات، وأعظم زوج شهد له به الزوجات، وأعظم مرب ومصلح في العالمين عرف ذلك المختصون مربين ومربيات.
رأس الدولة فلم تعرف الدنيا أكمل وأتم وأعدل منه. وقاد الجيوش فلم يوازي قيادته فيها أحد أبدا ولم ترى بطلا شجاعا حكيما قبله ولا بعده مثله، انبرى للعلم والتربية فلم يصل إلى أسلوب تعليمه وتربيتة مرب مهما بلغ. فتح الباب على مصراعيه؛ يُري الناس الصراط السوي، ويقودهم إلى خالقم وباريهم بأمانة ودراية ووعي، اعتنى بالطفولة والشبيبة حتى أحبوه أشد الحب وأعظمه؛ فاق حب الآباء والأمهات؛ تسابقوا في تقديم أرواحهم الغضة في سبيل الله ضد من يكره الخير والحق والبر الذي جاء به حبا لله ورسوله
وكان الشاعر يعي ما قاله يوم أن قال يصفه عليه الصلاة والسلام:
وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء
جاء بكتاب من عند الله سبحانه؛ سعادة البشرية بين دفتيه في أي عصر ومصر؛ قعّد لكل جانب من جوانب الحياة –إن لم يتعمق في التفاصيل والدقائق؛كتقسيم المال الموروث، وعرض الحقائق المهمة بوسائل وأساليب مضاعفة ومتنوعة حتى تتجسد في النفس صورة محسوسة كاملة الوضوح.
تعامل مع النفوس بمنهج الله بعلم ودراية مراعيا طبيعتها _كما هي_؛ لم يرفعها إلى مصاف الذي لا يخطئ –قط – فُتح باب التوبة في الليل ليتوب مسيء النهار، وفي النهار ليتوب مسيء الليل؛ - ليس حسب - بل يفرح الله بتوبة عبده إذا هو تاب، ومع ذلك أحاط النفس بسياج متين يحفظها من الانحراف عن الصراط، لتبقى بيضاء نقية، سالمة قوية؛ بعيدة عن الخطأ والانحراف الذي يسودها ويشقيها.
جاهد بكل أنواع الجهاد من أجل إسعاد الجميع دنيا وأخرى، وفتح باب الثواب والجزاء للمجتهد إلى الدرجة التي تحول الأعمال جميعها إلى عبادة إذا اُستحضرت النية
أعلى شأن حرمة الدم والمال والعرض في خطبة الحج تتويجا لورودها كثيرا في القرآن والسنة؛ فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النبي قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال {أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه} [5]
وعنه في رواية أخرى وفيها زيادة تدل على كرمه وتعظيمه للشعائر التي يدعو إليها تطبيقا عمليا لما جاء به قال: لما كان ذلك اليوم قعد على بعيره وأخذ إنسان بخطامه فقال أتدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال أليس بيوم النحر قلنا بلى يا رسول الله قال فأي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال أليس بذي الحجة قلنا بلى يا رسول الله قال فأي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس بالبلدة قلنا بلى يا رسول الله قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب قال ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا} [6]
¥