فالجواب: الفرق ظاهر: من فسخ الحج إلى عمرة ليتخلص بها منه، فهو متحيل على سقوط وجوب المضي في الحج، ومن فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً، فإنه منتقل من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن المتمتع أفضل من القارن والمفرد، وهذا هو الذي أمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يفسخوا الحج ويجعلوه عمرة، ليصيروا متمتعين، لا ليتخلصوا بالعمرة من الحج.
مثاله: رجل سافر إلى مكة في أشهر الحج وأحرم به، وكأنه تطاول المدة الباقية على الحج ففسخ الحج إلى عمرة من أجل أن يطوف ويسعى ويقصر ويرجع إلى بلده.
فهذا لا يجوز؛ لأنه لما شرع في الحج وجب عليه إتمامه، فإذا حوله إلى عمرة ليتخلص منه، صار متحيلاً على إسقاط واجب عليه، وهذا لا يجوز.
69 - ص (122):
قوله: " إن الحمد والنعمة لك " بكسر همزة إن، ورويت بالفتح، فعلى رواية فتح الهمزة " أن الحمد لك ": تكون الجملة تعليلية، أي: لبيك؛ لأن الحمد لك، فصارت التلبية مقيدة بهذه العلة، أي: بسببها والتقدير لبيك لأن الحمد لك.
أما على رواية الكسر: " إن الحمد لك "، فالجملة استئنافية وتكون التلبية غير مقيدة بالعلة؛ بل تكون تلبية مطلقة بكل حال، ولهذا قالوا: إن رواية الكسر أعم وأشمل، فتكون أولى، أي: أن تقول: إن الحمد والنعمة لك، ولا تقل: أن الحمد والنعمة لك، ولو قلت ذلك لكان جائزاً.
والحمد والمدح يتفقان في الاشتقاق الأكبر، أي في الحروف دون الترتيب ح - م – د. موجودة في الكلمتين، فهل الحمد هو المدح، أو بينهما فرق؟
الجواب: الصحيح أن بينهما فرقاً عظيماً؛ لأن الحمد مبني على المحبة والتعظيم.
والمدح لا يستلزم ذلك فقد يبنى على ذلك وقد لا يبنى، قد أمدح رجلاً لا محبة له في قلبي ولا تعظيم، ولكن رغبة في نواله فيما يعطيني، مع أن قلبي لا يحبه ولا يعظمه.
أما الحمد فإنه لا بد أن يكون مبنياً على المحبة والتعظيم،ولهذا نقول في تعريف الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً، ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله - عزّ وجل -.
وقول بعضهم: الحمد هو الثناء بالجميل الاختياري، أي: أن يثني على المحمود بالجميل الاختياري، أي الذي يفعله اختياراً من نفسه، تعريف غير صحيح.
يبطله الحديث الصحيح: " أن الله قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي " فجعل الله تعالى الثناء غير الحمد؛ لأن الثناء تكرار الصفات الحميدة.
و" أل " في الحمد للاستغراق، أي: جميع أنواع المحامد لله وحده، المحامد على جلب النفع وعلى دفع الضرر، وعلى حصول الخير الخاص والعام، كلها لله على الكمال كله.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) بحثاً مستفيضاً حول الفروق بين الحمد والمدح وكلمات أخرى في اللغة العربية تخفى على كثير من الناس، وبحث فيها بحثاً مسهباً، قال: كان شيخنا - ابن تيمية - إذا تكلم في هذا أتى بالعجب العجاب، مع أن شيخ الإسلام ليس نحوياً بل من علماء العقائد والفقه، وما أشبه ذلك، ولكن فتح الله عليه. ولكنه كما قيل:
تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول
أي أن شيخ الإسلام - رحمه الله - مشغول بما هو أهم من البحث في كلمة في اللغة العربية وأسرار اللغة العربية.
70 - ص (178):
قوله: " وتصح الرجعة "، أي: أن يراجع الإنسان مطلقته التي له الرجعة عليها.
مثال ذلك: رجل أحرم بعمرة أو حج، وكان قد طلق زوجته طلاقاً رجعياً، فأراد أن يراجعها فلا حرج، وتصح الرجعة، وتباح أيضاً.
فهنا فرقنا بين ابتداء النكاح، وبين استدامة النكاح؛ لأن الرجعة لا تسمى عقداً، وإنما هي رجوع؛ ولأن الاستدامة أقوى من الابتداء، أرأيتم الطيب، يجوز للمحرم بل يسن عند عقد الإحرام أن يتطيب فَيُحْرم، والطيب في مفارقه، لكن لو أراد أن يبتدئ الطيب فلا يجوز؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، وهنا حصل لنا فرعان على هذه القاعدة في محظورات الإحرام:
الأول: الطيب، يستديمه ولا يبتدئُهُ.
الثاني: النكاح، يستديمه ولا يبتدئُهُ.
71 - ص (214):
مسالة: إذا لم يجد المحصر هدياً ماذا يصنع؟
¥