الفرق السابع: الوصية تصح بالمعجوز عنه، والعطية لا تصح، فلو أعطى شيئاً معجوزاً عنه كجمل شارد وعبد آبق وما أشبه ذلك، فإنها لا تصح العطية على المشهور من المذهب، والقول الراجح أنها تصح؛ لأن المعطَى إما أن يغنم وإما أن يسلم وليس فيه مراهنة، لكن على المذهب لا تصح العطية بالمعجوز عنه، وتصح الوصية، والفرق أن الوصية لا يشترط تملكها في الحال فربما يقدر عليها فيما بين الوصية والموت.
والصحيح في هذا أن كلتيهما تصح بالمعجوز عنه.
الفرق الثامن: الوصية لها شيء معين ينبغي أن يُوصى فيه والعطية لا، والشيء المعين الذي ينبغي أن يوصي فيه هو الخُمس، فالإنسان إذا أراد أن يوصي بتبرع فليوصِ بالخمس، فلدينا خمس وربع وثلث ونصف وأجزاء أخرى.
فالوصية بالنصف حرام، والوصية بالثلث جائزة، والوصية بالربع جائزة ولكنها أحسن من الثلث، والوصية بالخمس أفضل منهما، أي من الثلث والربع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين استأذنه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في أن يوصي بأكثر من الثلث قال: «الثلث والثلث كثير» وقول نبينا صلى الله عليه وسلم «الثلث كثير» يوحي بأن الأولى النقص عنه.
وابن عباس - رضي الله عنهما - مع ما أعطاه الله - تعالى - من الفهم يقول: (لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلث والثلث كثير»)، يعني لكان أحسن.
أما أبو بكر - رضي الله عنه - فقد سلك مسلكاً آخر واستنبط استنباطاً آخر، وفهم فهماً عميقاً، فأوصى بالخمس، وقال: أوصي بما رضيه الله لنفسه، ثم تلا: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} الآية [سورة الأنفال: 41]، ولذلك اعتمد الفقهاء - رحمهم الله - أن الجزء الذي ينبغي أن يوصى به هو الخمس.
وهذه - أيضاً - مسألة أحب من طلبة العلم أن ينبهوا الناس عليها، فالآن الوصايا كلها - إلا ما شاء الله - بالثلث، يقول الموصي: أوصيت بثلثي - سبحان الله!! - الرسول صلى الله عليه وسلم ماكسه سعد - رضي الله عنه - من الثلثين إلى النصف إلى الثلث فقال: ((الثلث كثير)) فلماذا لا نرشد العامة - لا سيما إذا كان ورثتهم فقراء - أن يوصوا بالربع فأقل؟ لكن هذا قليل مع الأسف، والكتَّاب يُرضون من حضر إليهم للوصية، يقول الكاتب: بكم تريد أن توصي؟ فيقول: بالثلث، فلا يقول الكاتب له: بل بالربع أو بالخمس، وهذا غلط.
وأنا أرى أنه إذا طُلِب من إنسان أن يكتب وصية بالثلث، أن يقول: يا أخي تريد الأفضل؟ فإذا قال: نعم، يقول له: الأفضل الخمس، فإذا قال: أنا أريد أكثر فإننا ننقله إلى الربع ونقول: هذا هو الأفضل، وأنت لو أردت التقرب إلى الله حقاً لتصدقت وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر، أما الآن إذا فارقت المال تذهب تحرمه ممن جعله الله له! فهذا لا ينبغي.
على كل حال الوصية لها جزء معين ينبغي أن تكون به والعطية لا، فلا نقول: يسن أن يعطي الخمس أو الربع.
الفرق التاسع: يقول الفقهاء: الوصية تصح للحمل، والعطية لا تصح؛ ووجه ذلك أن الحمل لا يملك، فإذا أعطيته لم يملك، ولا يصح أن يتملك له والداه؛ لأن الحمل ليس أهلاً للتملك والعطية لا بد أن يكون التملك فيها ناجزاً.
الفرق العاشر: أن العبد المدبَّر يصح أن يوصَى له، ولا تصح له العطية، مثلاً: رجل عنده عبد مدبَّر - وهو الذي علق عتقه بموت سيده - فقال له: إذا مت فأنت حر، فهذا مدبَّر؛ لأن عتقه يكون دبر حياة سيده، فيصح أن يوصي لعبده المدبر؛ لأن الوصية تصادف العبد وقد عتق، إذا عتق صح أن يتملك، ولا يصح أن يعطي عبده بناءً على أن العبد لا يملك بالتمليك، والعطية لا بد أن يتملكها في حينها.
الفرق الحادي عشر: العطية خاصة بالمال، والوصية تكون بالمال والحقوق، ولذلك يصح أن يوصي شخصاً ليكون ناظراً على وقفه، ويصح على قول ٍ ضعيف أن يوصي شخصاً بتزويج بناته ولكن العطية خاصة بالمال.
وليعلم أن من أسباب تحصيل العلم أن يعرف الإنسان الفروق بين المسائل المشتبهة، وقد ألف بعض العلماء في هذا كتباً، كالفروق بين البيع والإجارة، وبين الإجارة والجعالة، بين العطية والوصية، وكل المسائل المشتبهة، فمن أسباب اتساع نظر الإنسان وتعمقه في العلم أن يحرص على تتبع الفروق ويقيدها.
هذا ما تيسر لنا، وقد يكون عند التأمل فروق أخرى.
وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً، وترتيب الولاية ليست إلى الولي بل هي إلى ولي الولي وهو الله - عزَّ وجلَّ - وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.
فلو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم، فالقول الراجح أن يزوجهن العم، والقول الثاني: يزوجهن الوصي.
¥