تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحدث أن انتقلت إلى جلسة أخرى وهي حول الجندر، وفي تلك الجلسة استمعت إلى بحثين أحدهما عن المدونة المغربية لإدماج المرأة المغربية في التنمية، وهي مدونة كثر حولها النقاش في المغرب، وقد اعترض عليها العلماء ورأوا فيها خروجاً عن الشريعة الإسلامية في عدد من المواضع. وقدم البحث باحث وباحثة من المغرب. وكانت المرأة أكثر تحدثاً. وكانت تتحدث بلهجة المنتصر أن المدونة قد أصبحت قانوناً وأن الحكومة المغربية استطاعت أن تسكت أصوات المعارضة الإسلامية. وذكرت من المدونة أنها لم تسمح للرجل بالزواج من ثانية إلاّ بموافقة الزوجة الأولى، وأن الطلاق لا يمكن أن يقع إلاّ أمام المحكمة، وتحدثا عن حقوق أخرى، ولكنهما كانا ينتظران أن تساوي المدونة بين الرجل والمرأة في الميرات. وانتقدت المدوّنة أو قانون الأحوال الشخصية الأخير مسألة عقد النكاح أو عقد يسمح للرجل بالممارسة الجنسية بل هو عقد زواج. وتعجبت أن الأمة قبلت هذه التسمية ألف وأربعمائة سنة ويأتي من يعترض اليوم على التسمية وحتى على المضمون، ناسين أن القرآن سمّاه (ميثاقاً غليظاً) ووصف العلاقة بين الرجل والمرأة بالمودة والرحمة وقال عن الزواج (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن) وانظر كيف قُذّمت المرأة في اللباس. واعترضوا على مسألة الطاعة، ومطالبة المرأة بطاعة الزوج. وانتقدوا الاستعمار بأنه كرّس ذكورية المجتمع، مع أن بذور حركة ما يسمّى تحرير المرأة جاء به الاستعمار. ونسوا أن المؤتمر العالمي الثالث للمرأة عقد في الجزائر في مدينة قسنطينة عام 1934م، وغابت عنه المرأة الجزائرية التي رضيت بالحجاب عدا نساء قليلات كنّ متغربات.

ولم أتحدث في أثناء الجلسة لأنني كنت أشعر أنني لو قلت شيئاً لأخرجوني من القاعة، فما كان الجو مناسباً لأي اعتراض. ولكن خارج القاعة شاء الله أن يكون معي كتيب صغير بعنوان (موقفنا من المشروع الوطني لإدماج المرأة في التنمية)، فقدمت الكتيب إلى رئيسة الجلسة، فقالت ما هذا الكتيب؟ قلت لها إنه رأي للعلماء المغاربة يعترضون على المدوّنة. فقالت لماذا تروج لهم؟ قلت لها أنا لا أروج لهم ورأيي أنه لا رأي لي حتى أقرأ المشروع كاملاً، ولكن في جلسة علمية كان ينبغي أن يكون هناك توازن في عرض وجهات النظر. فكما سمحت بوجهة النظر المؤدية للمشروع كان ينبغي وجود الرأي المعارض. ولعلي أكتب رسالة إلكترونية لتلك المرأة. وسألتها ألا تريدين أن تعرفي الرأي الآخر؟

أما البحث الثاني الذي سمعته فهو حول النساء السحاقيات، بين العلن والخفاء. وكانت الباحثة سورية، وكأنها كانت تشيد بهذا الأمر وذكرت العديد من الكاتبات اللاتي كتبن عن العلاقات الجنسية بين النساء أو ميل بعض النساء لبنات جنسهن، وذكرت من الكاتبات حنان الشيخ وليلي أحمد وغيرها وذكرت من الروايات باب الواد وحجر الضحى وغيرها. وأذكر أن مؤسسة بريطانية مسرحية قدمت إحدى مسرحيات حنان الشيخ في لندن، وافتخرت بها إحدى الصحف العربية الصادرة في الغرب وكأن الأمر فتح كبير مع أن الغرب لا يحتفي إلاً بمن شذ أو انحرف من أبناء الأمة.

وبالمناسبة فإن المشرفين على المؤتمر يقدمون دعماً مالياً لمن يقدم بحثاً مقابل البحث وكذلك مقابل المصروفات التي تحملها، وفي نهاية تلك الجلسة قالت الرئيسة إليزابيث كسّاب قوموا بنا نحصل على نقودنا من المسؤول المالي فاليوم هو اليوم الأخير. وقلت في نفسي ليتهم حفظوا كرامة الباحثين وقدموا إليهم ما يسمّى مكافأة بطريقة أخرى لا تضطرهم إلى الوقوف بباب المسؤول المالي.

أما الورشة التي كنت أرغب في حضورها فهي بعنوان "المشاركة السياسية تحت النظام الشمولي" وهي برئاسة كل من سلوى زرهوني من جامعة محمد الخامس بالرباط وإلين لست أوكار من جامعة ييل Yale بالولايات المتحدة، وتقول مقدمة الورشة إن المشاركة السياسية في الأنظمة الشمولية قد بدأت في العالم العربي الإسلامي ببعض المشاركة السياسية والحديث عن الانتخابات وغير ذلك ولكن هذه المشاركة السياسية قليلاً ما تُناقش أو تبحث في المنتديات العلمية. وسيكون الحديث عن المشاركة السياسية في المؤسسات السياسية أو غيرها، وتتناول الورشة المفاهيم الخاصة بالمشاركة السياسية وتعريفها. وهل ما يحدث من بعض المشاركة السياسية هو حقيقة مشاركة أو مجرد ديكور. وتناولت الأوراق المشاركة السياسية عموماً وكذلك التجارب في دول معينة كالأردن ومصر، وكذلك الحديث عن وسائل الإعلام وأثرها في نشر التوعية بأهمية المشاركة السياسية. ومن أبرز الباحثين والباحثات الذين واللاتي قدموا بحوثهم ليل الحمّاد من البنك الدولي بواشنطن حيث كان عنوان بحثها:" المشاركة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: توسعة الشبكة."

لقد قرأت في الأوراق وفي الوجوه أن توجه الغالبية العظمى من المشاركين هي الوجهة الغربية العلمانية، ونحن نتفق معهم في قضايا معينة كحديث المحاضرة الافتتاحية عن الصورة السلبية التي تعكسها كبريات الصحف الإسلامية للعرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام، أو ضرورة زيادة المشاركة السياسية، أو رفع الحيف عن المرأة وعن الرجل، ولكننا لا نتفق معهم في المرجعية. وقد توصلت إلى قرار يحتاج إلى تفكير طويل هل أستمر في حضور مثل هذه المنتديات للتتاح لي الفرصة قليلاً أو كثيراً لأعرض وجهة نظر الإسلام أو أن الإسلام هو الحل الحقيقي لمشكلات الأمة. أو عليّ أن أنتقل لدراسة الغرب من خلال المؤتمرات الكثيرة التي تعقد هنا أو هناك، وهل سأجد الطريق مفتوحاً للمشاركة معهم في دراسة مشكلاتهم وقضاياهم؟ هذا سيحتاج منّي إلى تفكير طويل وعميق واستشارة ممن هم أعلم وأحكم، وإلى اللقاء في الجزء الثالث من هذه المذكرات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير