هذه القصة واهية، حديثها موضوع، أوردها الإمام ابن الجوزي في «الموضوعات»، والمتهم به الوليد بن مسلم، وتدليسه تدليس التسوية، حيث أشار إليه ابن الجوزي في «الموضوعات» فقال «أما الوليد فقال علماء النقل كان يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عنهم»
وتدليس التسوية الذي اشتهر به الوليد بن مسلم شر أنواع التدليس، ولكي يستبين للقارئ هذا الشر، فلا بد أن نبين صورته
قال الإمام السخاوي في «فتح المغيث» «وممن كان يفعله الوليد بن مسلم، وصورته أن يروي المدلس حديثًا عن شيخ ثقة بسند فيه راوٍ ضعيف، فيحذفه المدلس من بين الثقتين اللذين لقي أحدهما الآخر، ولم يذكر أولهما بالتدليس، ويأتي بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات، ويصرح المدلس بالاتصال عن شيخه؛ لأنه قد سمعه منه، فلا يظهر في الإسناد ما يقتضي رده إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل، ويصير الإسناد عاليًا وهو في الحقيقة نازل، وهو مذموم جدًا لما فيه من مزيد الغش والتغطية» اهـ
قُلْتُ وبهذا يتبين أن تدليس التسوية هو رواية الراوي عن شيخه، ثم إسقاط راوٍ ضعيف بين ثقتين لقى أحدهما الآخر، وصورة ذلك أن يروي الراوي حديثًا عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة، ويكون الثقتان قد لقي أحدهما الآخر، فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول، فيسقط الضعيف الذي في السند، ويجعل الإسناد عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيُسّوي الإسناد كله ثقات، وهذا النوع من التدليس شر أنواع التدليس؛ لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفًا بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفيه غرر شديد
لذلك أورد هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة الواهية، الشيخ الألباني رحمه الله في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» ح، وقال «هذا حديث منكر»، وأورده في «ضعيف الترغيب» ح، وقال «موضوع» ثم بيَّن القاعدة في التسوية بعد أن بيّن أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، نقلاً عن الحافظ ابن حجر، ثم بيّن أن الوليد بن مسلم إذا صرح بالتحديث عن ابن جريج لا يغني ولا يسمن في تدليس التسوية، حيث قال الألباني رحمه الله
«فيه قصور لا يخفى، فالصواب اشتراط تصريحه بالتحديث في شيخه وسائر الرواة الذين فوقه، لنأمن بذلك من شر تدليسه تدليس التسوية، ولولا ذلك لكان إسناد هذا الحديث صحيحًا، لكون الوليد قال فيه حدثنا ابن جريج كما رأيت، فلما لم يتابع التصريح بالتحديث فوق ذلك قامت العلة في الحديث؛ لاحتمال أن يكون بين ابن جريج وعطاء وعكرمة أحد الضعفاء، فدلّس الوليد، كما في الأمثلة التي رواها الهيثم بن خارجة رحمه الله تعالى»
قال الإمام السخاوي في «فتح المغيث»
«وأما القدماء فسموه تجويدًا، حيث قالوا جوَّده فلان»
قُلْتُ هكذا كان يسمى تدليس التسوية تجويدًا، حيث يجوّد الإسناد بإسقاط المجروحين وضم القوي إلى القوي تلبيسًا على من يحدث، وغرورًا لمن يأخذ عنه فتأتي الحيرة من هذا التجويد، حتى قال الإمام الذهبي في «التلخيص» مستدرك «هذا حديث منكر شاذ أخاف ألا يكون موضوعًا وقد حيرني والله جودة سنده»
قُلْتُ ثم قال الإمام الذهبي في «الميزان» ترجمة «الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي من أنكر ما أتى حديث حفظ القرآن»
رابعًا طريق آخر
أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» ح، ونبين للقارئ الكريم هذا الطريق، حيث قال ابن السني «أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ومحمد بن حريم بن مروان قالا حدثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن إبراهيم القرشي، ثنا أبو صالح، ثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا رسول الله، القرآن يَتَفَلَّتُ من صدري، فقال النبي «ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟» قال نعم، بأبي أنت وأمي، فقال «صلِّ ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأثن عليه، وصلِّ على النبيين واستغفر للمؤمنين وقل «اللهم ارحمني بترك
¥