إن الإنسان إذا لم يتشبع بالعبودية الخالصة لله عز وجل فإنه يمكن أن يجازف بأي تصرف، ويبرر كل رغباته وأهوائه بالفلسفة أو بالعلم أو بالعقل أو حتى بالدين ..
وما يحصل اليوم في العالم المعاصر من ظلم وقهر وعدوان واستعمار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمارسه الإنسان المتعبد المؤمن، فما هو إلا نزوات، وأطماع، وغرائز وأهواء انساق إليها الإنسان بسائق من الأنانية والطمع والجشع، أو هو استكبار وتفرعن تملك الأنفس المتمردة، وطغيان وجبروت استحوذ على الذوات المتجردة عن كينوناتها الإنسانية.
إن العالم الذي يوصف بأنه عالم متحضر اليوم هو الذي يمسك بزمام العالم على المستوى المادي المشاهد والملموس، وهو الذي يتحكم بمصير الحياة البشرية كما يبدو، وكما نلاحظ فإن العولمة التي تُطرح أو تُفرض ما هي إلا نتاج فلسفة نمت وترعرعت في ذلك الوسط من العالم وإذا تأملنا في تاريخ هذه الفلسفة فإننا سنجد أنها تقوم - في أغلبها -على مبدأ الأخلاق النفعية، فليس هناك أي قيمة ذاتية للأخلاق وإنما تنبع قيمتها من مدى ما تحققه من أغراض على مستوى المادة أي الحياة المنظورة.
وسنحاول نحن هنا أن نُطل بشكلٍ موجزٍ على تاريخ الأسس الفلسفية للأخلاق في الغرب منذ أقدم عصورها إلى اليوم، ثم ننظر في الانعكاسات الواقعية التي نتجت عن هذه الفلسفة، ونبدأ بالسوفسطائيين الذين أقاموا الأخلاق على ثلاثة أسس هي:
1 – القوة: فالحق هو القوة، والقانون من اختراع الضعفاء ليخدعوا به الأقوياء.
2 – اللذة: فالغاية الأساسية للأخلاق هي تحقيق أكبر قدر ممكن من اللذة.
3 – النسبية: فكل ما تراه أنت حقاً فهو كذلك بالنسبة لك، وكذلك كل ما أراه أنا فهو كما أراه.
ثم جاء بعدهم أفلاطون فأقام الأخلاق على أربعة أسس:
1 – الحاجة: الحاجة هي أساس الدولة عند افلاطون وعند فلاسفة اليونان عموماً إذ أن الأخلاق ضرورية من أجل استقامة الدولة، ولحاجة الناس بعضهم إلى بعض.
2 – القوة: ولذلك لا مكان في جمهورية أفلاطون للضعفاء والمعوقين والمشوهين وعلى الدولة أن تتخلص من هؤلاء لأنهم يشكلون عبئاً عليها.
4 – العنصرية: وهي مسألة لم يستطع فلاسفة اليونان التخلص منها، ولذلك أجازوا لليوناني أن يسترق الأجناس الأخرى ومنعوه من استرقاق اليوناني، وأجازوا للدولة اليونانية أن تبيد الدول الأجنبية، بينما عليها أن تترفق بالمقاطعات اليونانية المتحاربة معها، واليوناني ممزوج بالذهب بينما بقية الأجناس ممزوجة إما بالنحاس أو بالفضة.
وعند أرسطو بعض الشعوب أذكياء وتنقصها الشجاعة وبعضها شجعان وينقصها الذكاء بينما اليونان فقط هم الذين يجمعون بين الذكاء والشجاعة.
جاء بعد ذلك أبيقور فلم يكتف بأن اعتبر اللذة هي غاية الأخلاق وإنما اعتبر اللذة هي الخير المطلق. [راجع د. عبد المقصود عبد الغني الأخلاق بين فلاسفة اليونان وحكماء الإسلام ص 119 وراجع أيضا أحمد أمين وزكي نجيب محمود " قصة الفلسفة اليونانية "].
ثم تنتهي رحلة الفلسفة اليونانية بالشكاك الذين أعلنوا عجز العقل عن الوصول إلى اليقين، ولم تكن فلسفتهم هذه سفسطة كما كانت لدى أسلافهم السوفسطائيين، وإنما أعلنوا أن الشك هو المعتقد النهائي، بمعنى أن الشك لم يعد وسيلة، أو طريقاً للوصول بعد ذلك إلى اليقين، ولم يعد مرحلة مؤقتة ينتقل الإنسان بعدها إلى المبدأ الراجح، وإنما أصبح الشك هو نهاية العقل ونهاية البحث والمعرفة. [راجع: يوسف كرم " تاريخ الفلسفة اليونانية " ص 234 - 241 و " قصة الفلسفة اليونانية " لأحمد أمين وزكي نجيب محمود ص 307].
ثانياً - الفلسفة الغربية الحديثة:
سوف نقفز قفزة مديدة نتجاوز فترة ألف سنة هي فترة العصر الوسيط والتي تعتبرها أوربا فترة ظلام في تاريخها لنطل الآن على عصر النهضة وعصر التنوير، ثم عصر الحداثة، وسنحاول أن نبحث عن مبتغانا في الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق في هذه الفلسفة التي وسمت بأنها فلسفة النهضة، وفلسفة الأنوار وهي التي أنتجت بعد ذلك الحضارة الحديثة.
ونبدأ بأقدم وأعظم فلاسفة التنوير وهو مكيافللي 1469 – 1527 م:
¥