واليوم فإن المفاهيم المطروحة في العالم المعاصر مثل حقوق الإنسان، والديمقراطية والحرية هي مفاهيم عنصرية على مستوى التطبيق الواقعي، ولذلك فالعراق يُفتش عشرات المرات بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل بينما إسرائيل تفخر أمام العالم بترسانتها النووية، وسلمان رشدي يدافع عنه الغرب بكل وسائله الإعلامية لأنه يهاجم الإسلام، وروجيه غارودي يُحاكم وتُصادر كتبه لأنه قال كلمة لم يرض عنها اليهود، والمرأة لها أن تلبس ما تشاء ولكن إذا كان ذلك باسم الإسلام وتحت مبدئه وشعاره فليُخلع الحجاب في أول دولة ترفع شعار الحرية والديمقراطية، ولتداس هذه المفاهيم ما دامت تستند إلى مرجعية إسلامية، ولذلك يسخر مراد هوفمان من حقوق الإنسان حين يقول: إن حقوق الإنسان والديمقراطية لها عيون زرقاء وشعر أشقر، ويعني بذلك أنها تطبق فقط حين تكون لصالح الأوربيين.
نعم إن الإسلام يحارب هذا المفهوم العنصري ويطرح بدلاً منه مبدأ المساواة ويخاطب الناس جميعاً دون تمييز ? ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ? [سورة الحجرات آية: 13] والتكريم والتفضيل للبشر جميعاً دون تحيز لجنسٍ أو لون ? ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً ? [سورة الإسراء آية: 70].
والإسلام إذ يطرح مبدأ المساواة يطرح إلى جواره مبدأً آخر لإثارة التنافس على الفضائل بين الناس والأمم والشعوب، وهذا المبدأ هو مبدأ الخيرية ? كنتم خير أمة أخرجت للناس ? [سورة آل عمران آية: 110] ومبدأ الخيرية يختلف عن مبدأ العنصرية في أن هذا الثاني يقوم على أساس أفضلية العنصر والدم والتركيب الجبلي، بينما في مبدأ الخيرية يكون المعيار هو العمل والعمران الحضاري، والأداء الإنساني فاليهود كانوا أفضل العالمين حين عمروا الأرض بمنهج الخالق سبحانه وتعالى ? يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ? [سورة البقرة آية: 47] ولكنهم حين أقبلوا على أهوائهم أصبحوا من أراذل الناس وشرار الخلق ومسخوا قردة وخنازيراً ? فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ? [سورة الأعراف آية: 166]، والأمة الإسلامية هي خير الأمم حين تعمر الأرض بمنهج الله عز وجل، وتكون شر الأمم حين تتقاعس عن المهمة التي وكلها الله عز وجل إليها. ? وإن تتولو يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ? [سورة محمد آية: 38] كذلكم على مستوى الأفراد [لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح] فكل عمل يسهم في بناء الحضارة ورقي الإنسانية فهو من العمل الصالح الذي يكون معياراً للتفاضل والخيرية.
الخلاصة:لقد عرفنا ورأينا أن معيار الأخلاق منذ أفلاطون إلى فرنسيس فوكومايا، وصموئيل هنتغتون على مستوى التنظير الفلسفي، ومنذ بركليز وهيرون 459 ق. م إلى نابليون وهتلر وستالين إلى بوش اليوم على مستوى الممارسة السياسية العملية كان دائماً هو: القوة أو المنفعة أو اللذة أو العنصرية، فما هو أساس الأخلاق في الإسلام؟ إنه باختصار وبكلمة واحدة طلب مرضاة الله عز وجل، والثمار الأخلاقية التي ينتجها هذا الأساس ثماراً طيبة يمكن أن تحقق السعادة للبشر أفراداً ومجتمعات.
أخيراً لا بد من القول: إن الإنسان بطبيعته ميال إلى العاجلة، تتغلب عليه الأنانية، فلما ظهر العلم الحديث والمكتشفات الحديثة، والاختراعات العصرية، سكِر الإنسان بالعلم، وظن أنه إله هذا العالم، ووصل به الطغيان إلى درجة أنه تجرأ وأعلن موت الله سبحانه وتعالى – كما افترى نيتشة - واعتقد الإنسان أنه سيطر على الكون، وامتلك ناصية الطبيعة. وبالأمس لما أرسل الباري عز وجل رسالة للإنسان المتغطرس المتجبر في إعصار آسيا الذي أودى بحياة ربع مليون إنسان في بضع لحظات، هز هذا الإعصار ذلك الإنسان الثمل السكران بالعلم والمادة، والمغرور بقوته، ولا يزال هذا الإعصار يهزه، ولعله يوقظه فيتذكر هويته تذكراً صحيحاً، ويقرأ حقيقته قراءة صادقة.
إن الإنسان عبد شاء أم أبى، وإنه بمقدار ما يحقق عبوديته لله عز وجل يكون سيداً مُسوَّداً، وكائناً متفرداً، وبمقدار ما يتشبع هذا الإنسان بعبوديته لخالقه عز وجل فإنه يرتفع بإنسانيته، ويسمو بهويته. هو عبد مكرمُ مسوَّدٌ مُعزَّزٌ مُستخلَفٌ إن رضي بعبوديته اختياراً، وهو عبدٌ ذليلٌ ضعيفٌ مُهانٌ خائبٌ خاسرٌ إن أبى إلا أن تُفرض عليه العبودية اضطراراً … وما أجمل قول الإمام الشافعي هنا:
ومما زادني شرفاً وتِيها وكدت بأخمصي أطأ الثريّا
دخولي تحت قولك ياعبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيّا
وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[20 Apr 2006, 12:16 ص]ـ
... فلما ظهر العلم الحديث والمكتشفات الحديثة، والاختراعات العصرية، سكِر الإنسان بالعلم، وظن أنه إله هذا العالم، ووصل به الطغيان إلى درجة أنه تجرأ وأعلن موت الله سبحانه وتعالى – كما افترى نيتشة - واعتقد الإنسان أنه سيطر على الكون، وامتلك ناصية الطبيعة. [/ align]
جزاك الله خيرا. وأتمنى لو تترجمه للإنجليزية ففيه دعوة مباشرة للمفكرين والمتعلمين الغربيين.
قال تعالى:
(حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
¥