ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[29 Apr 2006, 11:15 ص]ـ
أخي كاتِب النّقْد: أنصحك بِإعادة قِراءة "تأويل مُخْتَلِف الحديث" لابن قُتيبة الدِّينَوَري، مرَّتين أو ثلاثاً ولا سيما "مقدمته". لعلك ستجد عُذْراً أعْوزَك للشَّيخ التُّرابيّ. فقد يّسَعُك ما وسِع عُلَماء الإسلام إزاء مثل إبراهيم بن سيّار النَّظام وغيره من "أهل النَّظر". ولكن خُذ في حُسبانك أنّ ابن قتيبة قد ألّف كتابه هذا وقد دالت دولَةُ المتكلّمين من المُعتزلة.
التُّرابيُّ ليس غريباً في آرائه التي تبدو أنت غريبا عليها. وهذا ليس عيباً ولكني لا أتَّفِق معك أنْ تتكلّم بعواطِفك، وَمِن دائِرة المحَدِّثين وّحدهم. فأُمةُ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم أوسع من حصرِها في مدرسةٍ أو مَذهب أو تيّار. وقَد أحْسَن أحدُ الإخوة حين أحالك على ابن عابدين.
لكن لا أخفي استِغرابي من كلامك بعد أن رأيت في عنوانك أنك تُعِدُّ للدكتوراه في أصول الفِقْه، وهو عِلْمٌ عقْليّ. وهُنا أغتَنِم فُرصة التشرّف بِمَحاورتك أنْ أدُلّ طلبة أصول الفقه في المراحل المتقدمة أن يقرأوا فصل "البيان" كاملاً من كتاب الأستاذ الدكتور مُحمد عابِد الجابري الموسوم"بنية العقلِ العربيّ". فهو مما لا يسوغُ تجاوُزُه.
وأنْ ألتَمِس من مُرتادي الملتقى أنْ إذا كان لديهم شيء عن كتاب ابن رُشد في أصول الفقه الذي ذكره في بداية المجتهد، أيّ شيء عنه.
أخي الكريم:أنا أختلف معك في رأيِك في الشيخ حسن الترابي. ولكني أحبك كما أحبُّه.
وأقول لك شيئاً واحداً إن ردّ أخبار الآحاد هو موقف من التاريخ والتدوين وقدرة البشر على حفظ الخبر، ولا علاقة له بالدين أبداً.
ولا يعني هذا أن تجوز إساءة الأدب أو التطفُّل على العلم وردّ الأخبار جُزافاً،ولكن حسبك بما قاله لك الأخ من قبل. وشكر اللهُ لك غيرتك على ما تظنه الحقّ.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
ـ[يوسف حميتو]ــــــــ[01 May 2006, 04:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لجميع الإخوة المتدخلين، وما فاتني الكثيرمما ذكروه، ولكنها حمية حملتني على ذلك، وغيرة وجهتني إلى ما كتبت، فأن يقول الترابي ما قاله ليس بضرر إن كان من باب البحث العلمي والنقد الممنهج، ولكن أن يكون كلامه مجرد تشكيك واستهزاء بأوصاف الدجال المذكورة في الأحاديث، وببعض الأحاديث الأخرى المرتبطة بعلامات الساعة، فهذا ما لا يمكن قبوله، ولا شك أن الإخوة عالمون بأن مسألة خبر الواحد في العقائد معمول به، وقد ثبتت به أكثر من عشرين فرعا من فروع العقائد، أفبعد هذا نتحدث عن المعلوم من الدين بالضرورة، هذا أمر مسلم به عقلا ونقلا لكن ليس هذا مجاله، والرجل ليس من أهل العلم بمفهومه الإصطلاحي، وحتى من يعظمه يسميه بالمفكر الإسلامي، وهل العقائد محل نظر وتفكير ن أم محل التزام وتصديق؟.
لو كان الأمر مجرد كلام للنقاش والتفكير فليس فيه أدنى ضرر، وقد قال الله تعالى:" وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " وهذا يعني أنه لا يصح إلا الصحيح أخيرا، نعم هذا هو الحق الذي لا مرية فيه.
ثم إن الأمور التي تحدث عنها الترابي والشكل الذي تناولها به لا يمكن الحديث فيها أمام العامة، والإسلام أحوج اليوم إلى غير هذا منه ومنا، ولكن هي فتنة تثار وتشغل عن الأولويات والمهمات، فكيف إذن نسير وفينا من يعقر مطينا وبين الفينة والأخرى يثير علينا ما نحن في غنى عنه.
هذا مع الإشارة إلى ما ورد في كلامي: وهو أني لم أكفر، بل قلت: حادى الحد وكاد يجوزه، وما تحتمل عبارتي هذه إلا حملها على الخوف من أن يقع الرجل بمنهجه في المحظور، وأظن أن هذا من حق المسلم على المسلم.
وللأخ الصالح - وأدعو الله أن يجعل له من اسمه نصيبا - ما دخل المدارس الحديثية والفقهية والأصولية فيما نحن بصدده؟ ووالله أخي الكريم لو سمعت كما سمعت ورأيت كما رأيت لفار الدم في راسك، ولست أخفي سعادتي بنصحك، كما لا أخفي استغرابي من استغرابك مني، فإذا كان من العقل والشرع أن أتقبل الرأي من المخالف دون قبوله، فهل من العقل أن أقبل منه منهجه وأسلوبه؟ إن مسألتنا هاته ليست مسألة تجريح ولا تعديل، المسألة مسألة خنجر تطعن به الأمة كل يوم من بعض من ينتسبون إليها، وأنا حين كتبت ما كتبت لم يكن من باب العاطفة أو التحامل، ولكن الدكتور الترابي ليس من عامة الناس، بل هو ينسب إلى خاصتهم والمعاملة تختلف من هؤلاء إلى هؤلاء، فإذا كان هذا الترابي في كل مرة يثير زوبعة لا رجاء من أن تكون أمر صلاح، فما وجه النفع منه إذن؟ أين غاب عنه فقه المآلات وفقه الموازنات وفقه الأولويات؟ أما ينظر إلى ما تثيره فتاواه إن صحت تسميتها كذلك؟ هذا ما أريد أن أناقشه، وليس مسألة كفره من عدمها، فإن كان قد أفتى أو فعل أو قال ليقال: جرئ ومتحرر، فقد قيل، ولكن فلينظر إلى عواقب ذلك، هذا الضلال والإفك يتلقفه نوعان من الناس: نوع متربص بالأمة الدوائر من الملاحدة والعلمانيين، ونوع مسكين حسن النية يعتقد الصواب فيما يقال له، وهؤلاء وهؤلاء سواء في خطورتهما.
وفي الزمن الأول تعامل المحققون من العلماء مع كل من خرج بغير المألوف على الناس من العقائد والأحكام بما وجب التعامل به معه، فلا عجب إذن من وجوب التعامل مع الترابي وأمثاله بما ينبغي التعامل معه به حسب مستلزمات الوقت والظرف، - لكن دون أن يفهم القارئ أني أضع نفسي في مراتب العلماء -.
أخي الكريم: مرة أخرى اكررها، الوضع يستلزم لم الأمة لا شتاتها، ورص الصف لا تفتيته، وشحذ العزم لا تثبيطه، وما أظن الترابي بخرجاته المتلاحقة هاته يسدي للأمة خدمة أو يجلب لها نفعا، وهو أمر سيحاسب عليه أمام الله تعالى، فلينظر إلى الكم الهائل من الناس الذين سيفتنون بما يقول، وما سيكون الحال ساعتئذ.
وعلى أي حال أرحب أخي بجميع ما وجهته إليه ترحيب الجذل الفرحان، سائلا الله عزوجل لي ولك المغفرة والرحمة والثبات على رشد الأمر، وأن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا، والسلام عليكم ورحمة الله ويركاته.
¥