تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* هل كانت الخلافات النحوبة تعبيراً عن المدارس أم أن هناك خلافات فردية لا تعبر عن رأي المدرسة التي ينتمي إليها النحوي؟

ـ المدارس النحوية مصطلح يشير إلى اتجاهات ظهرت في دراسة النَّحو العربي، اختلفت في مناهجها في بعض المسائل النحوية الفرعيّة، وارتبط كل اتجاه منها بإقليم عربي مُعيّن، فكانت هناك مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة، ومدرسة بغداد وهكذا. ولم يكن لهذا الارتباط المكاني دلالة علميّة خاصة. ويرى بعض الباحثين أن القدماء لم يطلقوا على مسائل الخلاف في النحو القديم كلمة مدرسة، فلم يؤثر عنهم مصطلح المدرسة البصرية، ولا مصطلح المدرسة الكوفية ولا مدرسة بغداد ولكننا نقرأ من قولهم: مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين، ومذهب البغداديين، وربما ورد في قولهم: مذهب الأخفش، ومذهب الفراء، ومذهب سيبويه وغير ذلك. غير أن المعاصرين استحسنوا لفظ المدرسة فاستعاروها في مادة الخلاف النحوي. ولعل من هذا ما ذهب إليه الباحثون المعاصرون في تاريخ النحو والنحاة، فأثبتوا مصطلح المدرسة في نحو البصريين، ومثله مدرسة الكوفة، ومدرسة بغداد أو غير ذلك. غير أنك حين تنظر في التراث النحوي لا تجد جمهرة النحاة ـ بصريين وكوفيين وغيرهم ـ قد اختلفوا في أصول هذا العلم، ولم ينطلق هؤلاء من أفكار متعارضة، ولكنهم قد اختلفوا في مسائل فرعية تتصل بالتعليل والتأويل، فكان لهؤلاء طريقة أو مذهب، ولأولئك طريقة أو مذهب آخر، وقد يكون الاختلاف بين بصري وبصري كما كان بين كوفي وكوفي آخر، ولا تعدم أن تجد بصريَّا قد وافق الكوفيين، وكذلك العكس. أما كلمة مذهب فترد كثيرًا في الكلام عن الخلاف النحوي، فيقولون، مذهب البصريين كما قالوا: مذهب الكوفيين، ومذهب البغداديين، وقد تطلق كلمة مذهب على الطريقة التي سار عليها أحد النحاة فقالوا: مذهب سيبويه كذا، أو قولهم: مذهب الأخفش والفرَّاء كذا.

ولعلك أدركت أخي الكريم من خلال دراستكم اللغوية أن دائرة الخلاف فى التعاملات النحوية بين القبائل العربية كانت صغيرة، لكنها واقعة لا سبيل إلى إنكارها.

* هل للمذهب العقدي تأثير واضح في الخلاف النحوي أم لا مع التمثيل؟.

ويرجع الخلاف بين النحاة إلى عدّة عوامل منها ما هو نزعةٌ فرديّة تكلِّلُ جهداً علميّاً ورغبةً في وضع الأمور في نصابها كما يعتقد النحوي، ومنها ما هو عصبيّةٌ لمذهب ما، إمّا بحكم القناعة بأصول المذهب أو القناعة بوجاهة رأيه في مسألة فرعيّة معيّنة، أو القناعة بوجاهة القائل، ومنها ما هو بتأثير عقدي أو سياسي أحياناً، ومنها إمعان بعض النحاة في الصناعة مما أدَّى بهم إلى ردّ نصوصٍ وتأويلِ أخرى، والدخولِ في تقديراتٍ لم يقبلها آخرون، وإمعانُ آخرين في الواقعية اللغوية مما حدا بهم إلى قبول كلّ أو أكثر ما يصل إليهم، وبين هؤلاء وهؤلاء نحاة توسّطوا، إلى آخرِ عواملِ الخلافات، وهذا أنتج لنا خلافاً نحويَّاً، بعضه مفيدٌ للغة؛ حيث حفظ كثيراً من صورها الواقعية والقياسية، وبعضه مفيدٌ في فهم قوانين اللغة، وبعضه مفيدٌ للعقل؛ حيث أتاح له دربةً لا تنعدم الفائدةُ معها، وتظلُّ البيئةُ اللغوية هي الأساس، فعلى سبيل المثال نجد أنّ كثيراً مما يردُّه البصريُّون على الكوفيين إنّما يردُّونه بناء على أنّهم نقلوه من بيئة غير صالحة لغويّاً، وهذه مسألة يجب عدم إغفالها.

ومن الملاحظ: أن عددا لا بأس به من تلك الخلافات لا يوجد له ما يَسْنُده في كتب أصحابه، فكم من قول منسوب إلى الأخفش في كتب النحاة يوجد في معاني القرآن ما يناقضه، وكذلك المبرّد والزجاج والفارسي وغيرُهم، فالخلاف النحوي بحاجةٍ إلى مراجعةٍ من حيث صحّة نسبة الآراء، كما يحتاج إلى فصلٍ بين الخلافِ الذي له أثرٌ في الجملة ويستند إلى دليلٍ والخلاف الذي لا أثر له أو لا يستند إلى دليل.

*هل الخلافات النحوية تركت آثاراً إيجابية أم لا على اللغة؟ فإن كانت الإجابة بـ (نعم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير