تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن حيث الترتيب، فقد أصبح الترتيب هدفًا لذاته في كثير من هذه المصنفات؛ ولهذا يقول ابن عصفور:» فإني لمّا رأيت النحويين قد هابوا؛ لغموضه، علم التصريف، فتركوا التأليف فيه والتصنيف، إلاّ القليل منهم فإنّهم قد وضعوا فيه ما لا يُبرِدُ غليلاً، ولا يُحصِّل لطالبه مأمولاً؛ لاختلال ترتيبه، وتداخُل تبويبه، وضعتُ في ذلك كتابًا رفعتُ فيه من علم التصريف شرائعَه، ولّكتُه عاصيَه وطائعَه، وذلّلتُه للفهم بحسن الترتيب، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب «(). وواضح أن ابن عصفور جعل حسن الترتيب يذلّل الفهم، فجعل الترتيب الحسن هدفًا للتأليف، وهو الغالب في المؤلفات المتأخرة؛ إذ إن أصول العلم قد تقررت، ولم تكن الإضافة بالقدر الذي يسمح بتأليف كتاب جديد غير أنّ الذي يُغري بالتأليف هو محاولة الوصول إلى ترتيب جديد يُعين على الفهم وبخاصة للمتعلمين.

وقد سلك أصحاب المؤلفات السابقة طرقًا متشابهة غير متباعدة في طريقة ترتيبهم للأبواب الصرفية. ونبدأ بأصحاب القسم الأول:

فأولهم المازني، في كتابه» التصريف «وقد اشتمل ثمانية عشر بابًا، وصدّر كل باب بقوله: (باب .... )، غير أن هذه الأبواب تعود في مجملها إلى مباحث أقل من هذا العدد، فهي تعود إلى أربعة أبواب رئيسة، وهي:

1 - الأبنية. 2 - الزيادة. 3 - الإعلال. 4 - القياس اللغوي.

ويُعدُّ هذا الترتيب ترتيبًا منطقيًا؛ إذ الأبنية مقررة عندهم فيلزم معرفتها، وهذا يدعو إلى معرفة بعض الظواهر التي تعتريها، وأهمها الزيادة والإعلال، ثم يكون القياس اللغوي آخر الأبواب؛ لأن الهدف مما سبق من مباحث وأبواب، فهي تعدّ توطئة وتمهيدًا لهذا الباب؛ فهو أصل التصريف في تلك المرحلة.

وممّا يلاحظ أنّ القياس اللغوي ذكره في بابين متفرقين، فالأول ذكره بعد مباحث الزيادة وهو: ما قيس من الصحيح على ما جاء من الصحيح من كلام العرب ()، والثاني ذكره بعد مباحث الإعلال وهو: ما قيس من المعتل ولم يجئ مثاله إلاّ من الصحيح ()، وكان بإمكانه أن يجعل البابين في مكان واحد بعد الإعلال، غير أنه يُلمح من ذلك حرص المازني أن يصل إلى هدف الكتاب وهو القياس اللغوي، والتصريف في الألفاظ، ولهذا ذكر هذا الباب حين لم يلزم له شيء في الإعلال، وأخّر الآخر حين لزم تقديم الإعلال عليه.

ومع هذا الترتيب الذي ذكرناه إلاّ أن الأبواب التي أوردها المازني لا تخرج أبدًا عما ذكره سيبويه في كتابه، ولم يكن ثمة اختلاف سوى الترتيب الذي سلكه المازني، وجمعه لهذه الأبواب المتفرقة عند سيبويه في كتاب واحد، وإهماله لأبنية الأسماء المزيدة والإدغام، ولهذا فكتاب سيبويه أشمل وأوسع مِمّا ذكره المازني، ولعلّ المازني لم يرد إضافة جديد إلى كتاب سيبويه، ولكنه درسه واستوعبه فأراد أن يقدّمه في صورة أخرى تناسب المتعلمين، وتسهل لهم الطريق إلى تعلّم التصريف، ولهذا جاء كتابه مختصرًا موجزًا بعيدًا عن الإسهاب والشرح والتطويل، وهو ما استدعى ابن جنيّ إلى تأليف شرح له؛ إذ يقول:» ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعتُ في تفسيره وبسطه من أنفس كتب التصريف وأسدّها وأرصنها، عريقًا في الإيجاز والاختصار، عاريًا من الحشو والإكثار، متخلصًا من كزازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعًا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني، عُنيت بتفسير مشكله، وكشف غامضه، والزيادة في شرحه «().

وكان ترتيب المازني للأبنية مراعيًا عدد حروف الكلمة، بادئًا بالأسماء والأفعال المجردة الثلاثية ثم الرباعية، ثم الأسماء الخماسية، ثم الأبنية المزيدة في الأفعال، ولم يتطرق -كما سبق بيان ذلك- إلى الأبنية المزيدة في الأسماء، ولعلّه رأى كثرتها، وهو ما لا يليق بهذا المختصر، وإنما يحتاج الأمر إلى وضع قانون يعرف به الأصليّ من الزائد، وهو ما عقّب به بعد الأبنية حيث تحدث عن الزيادة من حيث حروفها، ومواقعها.

أما الإعلال، فبدأ ببيان مواضع الإعلال للواو والياء حسب مواقع الإعلال، حيث بدأ بالفاء فالعين ثم اللام، وحاول أن يكون ذلك في الثلاثي وما اشتق منه، ثم انتقل بعد ذلك إلى ما زاد على الأربعة، وكما هو واضحٌ فإنه ترتيبٌ قويّ؛ إذ الإعلال في أكثره ينبني على معرفة الأصل، وما أصابه من تغيير، فالإعلال في الأصل، والفرع تبعٌ له، وهو ما نظر إليه المازنيّ هنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير