تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما إن نصل إلى عصر الخليل حتى تغدو العلة مقصداً يؤمّه النحاة، وغاية يتجهون عن سابق وعي وإدراك، فيبلغ الخليل "الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله، وكثر التعليل عنده كثرة لفتت إليه الأنظار، فقال عنه الزبيدي: "استنبط من العلل ما لم يستنبطه أحد وما يسبقه إلى مثله سابق "، فكان أوّل من بسط القول في العلل، فقد سئل عن علله التي يعتل بها في النحو: أأخذها عن العرب أم اخترعها من نفسه؟ فقال:

"إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما علّلته منه. فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست. وإن لم تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل داراً محكمة البناء، عجيبة النظم والأقسام، وقد صحّت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة، والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا. سنحت له وخطرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك. فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أَلْيق مما ذكرته فليأت بها

............................... ".

وكثر التعليل لدى سيبويه "ت180" سواء أكان ذلك للمطرد أم الشاذ، فلا قاعدة تبنى من غير إيجاد علّة لها، وأثر عنه قوله عن العرب: "وليس شيء يضطرون إليه إلاّ وهم يحاولون به وجهاً " فكان كتابه أول بحث جامع للعلل النحوية. واتسع سيبويه في هذا المجال فشملت تعليلاته ما وقع في كلام العرب وما لم يقع منه، وإنما كان يفترضه افتراضاً يقدحه على زناد فكره، وكان اتساعه أكثر ما يكون في التعليل للقضايا الصرفية، وعلى الأخص بابي القلب والإعلال). فعلل سيبويه كعلل أستاذه الخليل مدارها على العلل الصرفية من ثقل زخفة، فقد أفرد سيبويه باباً للتعليل فقال: "هذا باب ما تجعله زائداً من حروف الزوائد وما تجعله من نفس الحرف

..................................... "

فمفهوم التعليل لدى المتقدمين من النحاة عامة يراد به جملة الأحكام النحوية المقررة وقد قُرِنَت بالأسباب الموصلة إلى تلك الأحكام، إلا أنّ ما فارق سيبويه أستاذه الخليل في هذا الميدان إنما كان "في التوسّع والإكثار مما كان نزراً قليلاً عند شيوخه المتقدمين ".

وقد وسمت هذا المرحلة من التعليل بالبساطة والبعد عن التعقيد الفلسفي والانسجام مع روح اللغة، والالتزام بالتوافق فيما بين المعنى والإعراب، وبالتقريرية والبعد عن التخيّل ومما حكات الجدل والكلام الفلسفي، ذلك أنه لم تكن لهم فيها مصادر يمتحون منها عللهم، ولا موارد يرودنها، وحسبهم أنها مما تفتّقت عنه ذهنياتهم وقرائحهم. وكان لنا في نص الخليل الذي ساقه الزجاجي "ت 377 هـ" مرآة تعكس ما قلناه، وتؤكِّد ما ذهبنا إليه.

وازداد من بعدهما التفات النحاة إلى العلل، وفسحوا لها حيّزاً واضحاً، ومكاناً بيّناً، فكان ذلك ملمحاً من ملامح تعاظم تأثر النحو بعلم الكلام والفقه ورغبته واستمداده منهما التطلّع إلى البحث في العلة وطريقة النظر فيها فكانت علل الفراء لا تخلو من طابع فلسفي رغم جنوحه إلى اليسر والسهولة.

وسعى العلماء إلى التأليف فيها، فوضع قطرب "208 هـ" كتاب "العلل في النحو " وكذلك كتابة "التصريف" أول كتاب "تعرّض للعلة في موضوعاته، وذكر فيه: علة الاستثقال، وعلة الاستخفاف، وعلة التباس، وعلة القُرْب، والبعد والطرف، وعلة البقاء على الأصل".

................................

وما إن يشارف القرن الثالث الهجري على الانتهاء حتى تكتسب العلة قيمة واضحة فأخذ النحاة يرمقونها بأنظارهم، وأخذوا يكتبون فيها ويجعلونها معرضاً من معارض الامتحان، ووسيلة من وسائل الاختيار، فكانت العلة لدى المبرد مثلاً هي السلاح الذي يقهر به خصمه، في المناقشة والبحث، وعاب على سيبويه أخذه الأحكام النحوية عن الخليل غفلاً من التعليل ولعل اشتهار المبرد. بذلك هو الذي كان وراء ترك الزجاج "ـ 340 هـ" حلقته بحلقة المبرد. يروي الزجاج أنه لما جاء المبرد حضر الزجاج لمناظرته، وكان يقرأ على ثعلب، فأراد إعنات المبرد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير