تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا مَذهب كثيرٍ من العلماء، فقد ذهب العكبريُّ، في " تبيانه " في مواضع كثيرة، إلى جواز الوجهين في " مَن "، الواقعة قبلَ فعل ماضٍ، بل رجَّح أن تكون موصولة في بعض المواضع، وسأكتفي بذكر ثلاثة شواهد له.

قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُم فاعْتَدُوا عَلَيهِ} البقرة 194

(يجوز أن تكون " مَن " شرطية، وأن تكون بمعنى: " الَّذي ".) انتهى

وقال تعالى: {بلَى مَن كَسَبَ سَيِّئةً وأحاطَتْ بهِ خَطِيئتُهُ فأولَئِكَ أصْحابُ النارِ} البقرة 81

(في " مَن " وجهان:

أحدهما: هي بمعنى " الَّذي ".

والثاني: شرطية، وعلى كلا الوجهين هي مبتدأة.

إلاَّ أنَّ {كَسَبَ} لا موضع لها إن كانت " مَن " موصولة.

ولها موضع إن كانت شرطية) انتهى

ثمَّ قال – رحمه الله -:

(ويدلُّ على أنَّ " مَن " بمعنى " الذي "، المعطوف، وهو قوله: {والذين ءَامنوا}) انتهى

قلتُ: يعني الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: {والَّذينَ ءَامنُوا وعَمِلوا الصالِحاتِ أولَئِك أصْحابُ الجنَّةِ} 83، فجاء بالموصول صريحا.

وقال عزَّ اسمه: {ومَن تَطوَّعَ خَيرًا فإنَّ اللهَ شاكِرٌ عَليمٌ} البقرة 158

(يُقرأ على لفظ الماضي، فـ" مَن "على هذا يجوز أن تكون بمعنى " الذي "، والخبر: {فإنَّ اللهَ}، والعائد محذوف، تقديره: له.

ويجوز أن يكون " مَن " شرطا، والماضي بمعنى المستقبل) انتهى

والقول بجواز الوجهين، مذهب أبي حيَّان أيضًا.

قال الله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فلا خَوفٌ عَليهم} البقرة

(تظافرت نصوص المفسِّرين والمعربين على أنَّ " مَن " شرطية، وأنَّ جواب هذا الشرط هو قوله: {فلا خَوْفٌ}، ولا يتعيَّن عندي أن تكون " مَن " شرطية، بل يجوز أن تكون موصولة، بل يترجَّح ذلك لقوله في قسيمه: {والَّذينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا}، فأتى به موصولاً، ويكون قوله: {فلا خَوْفٌ} جملة في موضع الخبر) انتهى

قلتُ: وهو مذهب القرطبيِّ، والشوكانيِّ، والقيسيِّ، والشيرازيّ، والسَّمين الحلبيِّ.

أمَّا العلاَّمة " بدر الدين العيني "، فلا يراها قبل فعل ماضٍ، شرطية، بل يراها موصولة قد تضمَّنت معنى الشرط، كما ضُمِّن الاسم الموصول " الذين " معنى الشرط، في قوله تعالى: {الَّذينَ يُنفِقونَ أمْوالَهُم بِالَّيلِ والنَّهارِ سِرًّا وعلانيةً فَلهُم أجْرُهمْ عِندَ رَبِّهم} البقرة 274

ووجَّه إعراب أحاديث صحيح البخاري، في كتابه: " عمدة القاري " على هذا المنوال، وسأكتفي بنقل شاهد واحد له.

قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ)) الحديث

(" مَن " مبتدأ موصول يتضمَّن معنى الشرط، وقوله " كُنَّ فيه " جملة صلته، وقوله " وَجَدَ " خبره) انتهى

والله أعلم.

والآن أعود إلى قوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فأولَئِكَ هُمُ المفلِحونَ}

أرَى – والله أعلم – أنه يجوز أن تكون " مَن " شرطية أو موصولة، لكنني أميل إلى كونها موصولة، وعندي هي أقرب من الشرطية، وذلك لأنَّ المقام مقام تفصيل، لا مقام تعليق، فالناس يومئذ قسمان: قسم ثقلت موازينه، وقسم خفَّت موازينه.

وهو نحو قوله تعالى في آل عمران: {فأمَّا الذَّين اسودَّتْ وُجُوهُهُم}، {وأمَّا الَّذينَ ابْيضَّتْ وُجُوهُهُم}، نسأل الله أن يجعلنا ممَّن تبيضُّ وجوهُهم، إنه سميع مجيب.

بقي النظر في مسألة دخول الفاء على الخبر.

تدخل على الخبر إذا تضمَّن المبتدأ معنى الشرط، أو أشبه الشرط، وهذا هو القول الراجح، خلافًا لمَن مَنع ذلك، وتأوَّل دخولَها.

قوله تعالى: {وَما أصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران

قال القرطبي:

(دخلت الفاء في {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} لأنَّ " ما " بمعنى " الذي "، أي: والذي أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله، فأشبه الكلام معنى الشرط، كما قال سيبويه: " الذي قام فله درهم ") انتهى

وجاء في " البحر المحيط " عند قوله تعالى: {وَما أصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران:

(" ما " موصولة مبتدأ، والخبر قوله: {فبإذنِ اللهِ}، وهو على إضمار أي: فهو بإذن الله.

ودخول الفاء هنا، قال الحوفي: لِما في الكلام من معنى الشرط لطلبته للفعل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير