وقال ابن عطية: ودخلت الفاء رابطة مسددة، وذلك للإبهام الذي في " ما "، فأشبه الكلام الشرط.
وهذا كما قال سيبويه: " الذي قام فله درهمان "، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء انتهى كلامه.
وهو أحسن من كلام الحوفي، لأنَّ الحوفي زعم أن في الكلام معنى الشرط، وقال ابن عطية: فأشبه الكلام الشرط.
ودخول الفاء - على ما قاله الجمهور وقرروه - قلق هنا، وذلك أنهم قرّروا في جواز دخول الفاء على خبر الموصول، أنَّ الصلة تكون مستقلة، فلا يجيزون " الذي قام أمس فله درهم "، لأنَّ هذه الفاء إنما دخلت في خبر الموصول لشبهه بالشرط. فكما أنَّ فعل الشرط لا يكون ماضيًا من حيث المعنى، فكذلك الصلة.
والذي أصابهم يوم التقى الجمعان هو ماضٍ حقيقة، فهو إخبار عن ماض من حيث المعنى، فعلى ما قرّروه يشكل دخول الفاء هنا.
والذي نذهب إليه: أنه يجوز دخول الفاء في الخبر الصلة ماضية من جهة المعنى لورود هذه الآية، ولقوله تعالى: {وما أفاءَ اللَّهُ علَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيلٍ ولا رِكابٍ}، ومعلوم أنَّ هذا ماض معنى، مقطوع بوقوعه صلة وخبر، وإذا تقرّر هذا فينبغي أن يحمل عليه قوله تعالى: {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وما أَصابَكَ مِن سَيِّئةٍ فَمِن نَفْسِكَ}، وقوله تعالى: {وما أصابكُم مِن مُصيبةٍ فبِما كَسَبتْ أيديكم}، فإن ظاهر هذه كلها أخبار عن الأمور الماضية، ويكون المعنى على تبيين المستقبل) انتهى
وقوله تعالى: {الَّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} الأنعام
(ابتداء وخبر، قاله الزجاج، وهو أجود ما قيل فيه.
تقول: " الذي يكرمني فله درهم "، فالفاء تتضمَّن معنى الشرط والجزاء) قاله القرطبي
{وَمَن كَفَرَ فَأمَتِّعُهُ قَلِيلاً} البقرة
(يحتمل أن تكون " مَن " في موضع رفع على الابتداء، إما موصولاً، وإما شرطًا، والفاء جواب الشرط، أو الداخلة في خبر الموصول لشبهة باسم الشرط) قاله الشوكاني
وقوله تعالى: {وما أصابكُمْ مِن مُصِيبةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ} الشورى 30
قال أبو محمد مكي القيسي، في كتابه " الكشف عن وجوه القراءات السبع، وعللها وحججها ":
(قوله {بِما كَسَبتْ} قرأه نافع وابن عامر، بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
ووجه أن تكون " ما " في قوله: {وما أصابكُم} بمعنى " الَّذي "، في موضع رفع بالابتداء، فيكون قوله: {بِما كَسَبتْ} خبر الابتداء، فلا يحتاج إلى فاء.
وقرأ الباقون: {فَبِما} بالفاء، وكذلك هي في جميع المصاحف إلاَّ مصاحف أهل الشام والمدينة، ووجه القراءة بالفاء، أن تكون " ما " في قوله: {وما أصابَكم} للشرط، والفاء جواب الشرط.
ويجوز في هذه القراءة، أن تكون " ما " بمعنى " الَّذي "، وتدخل الفاء في خبرها، لِما فيها من الإبهام الذي يشبه الشرط) انتهى
قلتُ: وممَّن وافق القيسي:
أبو علي الفارسيُّ
وأبو حيَّان في " بحره "
والشوكانيُّ في " فتح القدير "
والسمين في " درِّه "
والشنقيطيُّ في " أضوائه "
وهو ظاهر تفسير القرطبيُّ
وذهب الزمخشريُّ في " كشَّافه "، إلى أنها موصولة على القراءتين، إلاَّ أنها تضمَّنت معنى الشرط على إثبات الفاء.
ووافقه الرازيُّ والنسفيُّ.
وذهب العكبريُّ إلى أنها شرطية على القراءتين، وضعَّف كونها موصولة، وفي قوله نظر.
فيما ذهب البيضاويُّ إلى أنها شرطية على القراءتين، أو موصولة تضمَّنت معنى الشرط
وذهب السيوطي في " همعه " إلى أنها موصولة، وأجاز دخول الفاء على خبرها.
وهو ظاهر ما ذهب إليه ابن هشامٍ في " مغنيه ".
وأخيرًا، ذهب أبو عبد الله الشيرازيُّ في " مُوضَحه "، إلى أنها تحتمل الموصولية والشرطية، على القراءتين.
قال المهدَوِيّ: إن قدَّرت أنَّ " ما " الموصولة جاز حذف الفاء وإثباتها، والإثبات أحسن.
قلتُ: وشواهد دخول الفاء على خبر الموصول، أو ما يشبهه، ذائعة وشائعة.
بل تدخل الفاء الزائدة في خبر غير الموصول، قال عنها ابن هشام: " دخولها في الكلام كخروجها "، وشواهدها كثيرة.
وقد انقسم العلماء حيالها إلى ثلاثة أقسام.
فسيبويه لا يثبتها، ويتأوَّل شواهدها
وأجاز الأخفش زيادتَها في الخبر مطلقا، وحكَى: " أخوكَ فَوُجِدَ ".
وقيَّد الفرَّاء والأعلم وجماعة، الجواز بكون الخبر: أمرًا أو نهيًا.
¥