تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإنَّ جملتي الشرط والجواب فيه هما في محل رفع خبر "مَن "، لأنهما أصبحتا، بدخول أداة الشرط عليهما، كالجملة الواحدة، والتقدير: كلٌّ مِنَ الناسِ إنْ يَعصِ أطرافَ الزجاج فإنه يطيع العوالي، وهو تقدير للمعنى لا للإعراب، وهذا الخبر ليس مما نحن في الحديث عنه، لأنه مركَّب من جملتين.

وذهب سيبويه وبعض النحويين إلى أنَّ جملة الشرط، في مثل هذا، هي الخبر، وقد بيَّنا من قبلُ أنها لا محلَّ لها من الإعراب.

وذهب آخرون إلى أنَّ جملة الجواب هي الخبر، وفي قولِهم إشكال، لأنَّ جملة الجواب هَهنا مقترنة بالفاء، ومحلها الجزم، فكيف يكون للجملة محلان من الإعراب في آن واحد؟

ثم إن كان جواب الشرط غير مقترن بالفاء، نحو قول زهير:

ومَن يَغتَربْ يَحسبْ عَدوًّا صَديقَه * ومَن لا يُكرِّمْ نَفسَه لا يُكرَّمِ

فهو مما لا محل له من الإعراب، ولا يجوز أن تكون الجملة في محل رفع خبرًا، وهي لا محلَّ لها، ولولا هذا الإشكال لكان قولهم هو الحقّ.

وربما اعتُرض عليهم، بأن تخلو جملة الجواب من ضمير عائد على اسم الشرط، نحو قوله تعالى: {مَن كانَ يَرجوا لِقاءَ اللهِ فإنَّ أجلَ اللهِِ لآتٍ}، وقول سعد بن مالكٍ:

مَن صَدَّ عَن نِيرانِها * فأنا ابنُ قيسٍ لا بَراحُ

وليس هذا مما يُعتَرض به، لأنَّ مثل هذه الشواهد مما أُقيمَ فيه السبب مقام المسبَّب، وقيل: إنَّ الجواب محذوف، والمذكور سبب له، ودليل عليه.

وزعم ابن هشامٍ أنَّ الأصحَّ كون جملة الشرط هي الخبر، ويرد عليه أنها بمثابة الصلة للاسم قبلها، " لأنَّ مَن لا يُكرِّم نفسَه لا يُكرَّم " شبيه بذلك، فالجملة تتمة للاسم، وليست مخبرًا بها، ولم تتمُّ بها الفائدة.

وكأنَّ ابن هشام قد ذهب هذا المذهب، لحمله أسماء الشرط على أسماء الاستفهام، التي يُخبَر عنها بالجملة بعدها، إذا وقعت مبتدأ، والصواب حملها على الأسماء الموصولة، بدليل أنَّ " مَن وما وأيّ " إذا تقدَّم عليها ما هو جواب لها في المعنى، ووَلِيها ماضٍ، احتملت أن تكون شرطية أو موصولة، نحو: " أُكرِمُ مَن أكرمني ".

ولشدَّة الصلة الواشجة بين اسم الشرط والاسم الموصول، اختلف النحاة في بعض النصوص، فجعل بعضهم الاسم للشرط، وجعله الآخرون موصولا.

والتباس الشرط بالموصول، دون الاستفهام، أكبر دليل على تهافت زَعم ابن هشام.

وأنت ترى ما في المذهبين من إشكال وإحالة، على أنَّ أبعد منهما في ذلك، مذهب ثالث، زعم أنَّ المبتدأ من أسماء الشرط، لا خبر له، لقيامه مقام من لا يحتاج إلى خبر، وجملتي الشرط والجواب بعده أغنتا عن الخبر، والمخلص من هذا كلِّه ما اخترناه، وإن كان فيه شيءٌ من التعقيد.) انتهى

أقول: عفا الله عنك - أيُّها المحقِّق الفاضل -، هذه المسألة خلافية، وهي لا تعدو أن تكون اجتهاديَّة في كلِّ أحوالها، فهل يصحُّ أن يقال فيها عن الإمام الفذّ، ابن هشام: " تَهافُت زَعم ابن هشام "، رحم الله " ابن هشامنا " رحمة واسعة، وبارك في علمه، ونفعنا به، وأسكنه الفردوس الأعلى.

وقولك: " لأنهما أصبحتا، بدخول أداة الشرط عليهما، كالجملة الواحدة "

أقول: قولك فيه نظر، وهو مردود بما اصطلح عليه جمهور النحاة، وقد سبق ذكر نصوصهم.

وقولك: " وزعم ابن هشامٍ أنَّ الأصحَّ كون جملة الشرط هي الخبر، ويرد عليه أنها بمثابة الصلة للاسم قبلها، " لأنَّ مَن لا يُكرِّم نفسَه لا يُكرَّم " شبيه بذلك، فالجملة تتمة للاسم، وليست مخبرًا بها، ولم تتمُّ بها الفائدة "

أقول: إنَّ الجملة قد تتمُّ تركيبا بركنيها، ولمَّا يتم معناها، لاحتياج أحد ركنيها إلى ما يكمل معناه، ولا أظنُّ أحدًا يُعرب الاسم الموصول وصلته جميعا خبرا، في مثل قوله: " هذا الذي تَعرفُ البطحاءُ وَطأتَه "

وإنما المعلوم أنَّ " الذي " وحدها هي الخبر، وكما أنَّ تمام المعنى أنَّ الموصول يحتاج إلى صلته، وبها يكتمل المعنى، كذا يقال في الشرط وجوابه، وكما يتوقف تمام المعنى على ذكر الصلة، كذلك يتوقف تمام المعنى في أسلوب الشرط على ما يلزم عن الشرط، وهو الجواب.

وقولك: " وكأنَّ ابن هشام قد ذهب هذا المذهب، لحمله أسماء الشرط على أسماء الاستفهام، التي يُخبَر عنها بالجملة بعدها، إذا وقعت مبتدأ، والصواب حملها على الأسماء الموصولة ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير