تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" إنَّ السَّفينةَ لا تَجري علَى اليَبَسِ "

وأما قولك: (صارتا جملة واحدة بحرف الشرط)

قلتُ: نعم، صارتا جملة واحدة في المعنى، لا في الاعتبار.

وهذا ليس قولي، إنما هو قول جمهور النحاة.

انظر هذه الجملة الفعلية، القائمة بركنيها، المتفَّق عليها.

ولا أعني بذلك: البخاري ومسلم – رحمهما الله -، إنما أعني: علماء النحو جميعًا.

" يلعبُ زيد "، هي جملة واحدة، فإذا قلتَ:

" زيدٌ يَلعبُ "، قلنا: هذه جملة اسمية، جملة واحدة معنى، لكنها تتألَّف من جملتين إعرابًا.

جملة " يلعب " الفعلية، التي تتكون من فعل، وفاعل مستتر فيه.

وجملة " زيد يلعب " الاسمية، التي تتكوَّن من مبتدأ وخبر.

أما جملة " زيد يلعب "، فهي ابتدائية، لا محل لها من الإعراب.

وجملة " يلعبُ " خبر المبتدأ، لأنها حلَّت محل المفرد، وسأتكلَّم عن هذا لاحقًا، إن شاء الله.

فإذا زدنا، وقلنا: " زيد يلعب بكرة لونها جميل "

كان لدينا ثلاث جمل

وإذا قلنا: " زيد يلعب بكرة لونها يميل إلى الصُّفرة "

كان لدينا أربع جمل

ألسنا نعرب كل كلمة في جملتها، ثمَّ نقوم بإعراب كل جملة؟

فلماذا تختلف هذه النظرة، عند الكلام عن أجزاء الجملة الشرطية؟

لماذا يزعمون أنَّ جملة الشرط والجواب صارتا جملة واحدة بأداة الشرط؟

هل أداة الشرط أعادت بناء تركيب الجملة بعد دخولها عليها؟

كلاَّ، إنما دخلت على جملة مفيدة، فائدة يحسن السكوت عليها، ذات ركنين، وهي جملة الشرط، فأصبحت غير مفيدة بعد دخول الأداة عليها، ولذلك يُلغَز بها، ويقال: " ما شيء إذا زدتَّه نقص؟ "

ولذلك احتاجت إلى جملة الجواب، لتتمَّ بها الفائدة، ويحسن السكوت عليها، وعُدَّت بذلك ناقصة.

وقد أشار إلى هذا ابن بابشاد، فقال:

(والجملة الشرطية ناقصة، لافتقارها إلى جواب)

وهم مما يسمون ما يحتاج إلى غيره ناقصا، لذلك قالوا عن " ما " الموصولة: إنها ناقصة، لاحتياجها إلى الصلة.

وقالوا عن " ما " النكرة الموصوفة، المجردة عن معنى الحرف، إنها ناقصة لاحتياجها إلى الصفة.

ولذلك – أيها الفاضل -: لا يمكن أن نسلِّم، أنَّ جملةَ الشرط وجوابه، جملةٌ واحدة.

ولهذا أرَى، أنَّ ما أسَّسوا عليه مذهبهم، وهو أنَّ الجملتين صارتا جملة واحدة في الإعراب، أرَى أنه يمتنع عقلاً ونقلا.

وقولك – أيها الكريم -: (فلذلك قدَّروا أنَّ معنى: " مَن جدَّ وجدَ ": كلُّ واحدٍ إنْ جدَّ وجدَ، فجعلوا الجملة الشرطية المصدرة بـ"إن" هي الخبر، وهي مؤلَّفة من جملتي الشرط والجزاء)

أقول: التقدير صواب، ونحن متَّفقون عليه.

وتقدير الخبر صحيح أيضًا، " ما شاء الله "، نحن ما زلنا متَّفقين.

فأنتَ قلتَ: " الجملة الشرطية المصدرة بـ"إن" هي الخبر "

وأنا أقول: نعم، ولكن لا يوجد في هذا التقدير دليل لنا ولا لكم، إنما هو حجَّة ودليل علَى مَن زعم أنَّ جملة الجواب وحدها هي الخبر،

فقد كان تقديرهم للجملة الشرطية خاطئًا ابتداء، وقالوا: المجدُّ يجدُ، وقد ألْغوا معنى الشرط، وهو مقصود أصلاً.

فكان هذا التقدير الصحيح، وهو: كلُّ واحدٍ إنْ جدَّ وجدَ، دليلاً عليهم، وأنَّ جملة الجواب " يجد " لا تصلح أن تكون خبرًا للمبتدأ، بل هي جواب للشرط، وبها تتمُّ فائدة الشرط.

أعود وأقول: إنه لا دليل لنا ولا لكم في هذا التقدير، لأنَّ اختلافنا في تحديد جملة الخبر، فأنتم تقولون: إنَّ الخبر مُكوَّن من جملتين.

ونحن نقول: إنَّ الخبر هو جملة الشرط فقط، وجملة الجواب تابع لازم لإكمال الفائدة.

فقد اتَّفقنا على ضرورة وجود الجملتين معًا.

واختلفنا في توزيع عبء خبر المبتدأ عليهما.

ولا بدَّ من الاحتكام إلى علم " الفرائض ".

أما أنتم، فقد حمَّلتم جملة جواب الشرط، ما لا تطيق، وأثقلتم كاهلها بالتردُّد بين موضعين، وأن تتذبذب في محلَّين، لا يستقرُّ لها حال، ولا يهدأ لها بال.

فأضحت جملة الشرط لديكم في رخاء، وباتت قرينتها، جملة الجواب، في عناء.

وأما نحن، فقد نظرنا إلى الجملتين، بعين العدل، ورأينا أنَّ جملة الشرط، قد أدمَى اسم الشرط قوامها، بملاصقته لها، فهي ضعيفة بائسة، مفتقرة ناقصة، فأعطيناها جلَّ النَّظر، وأن تكون هي الخبر، فيرتفع قدرها، ويظهر أمرها.

وعندها ستتبعها جملة الجواب، في الإقامة والذهاب والإياب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير