فإن قال قائل: كيف يكون الخبر جملة " يجتهدْ "، في قولك: " مَن يجتهدْ ينجحْ "، والمعنى لا يزال ناقصًا؟
قلتُ: وما تقول في: " زيدٌ نزيلُ الدارِ "
أليستْ " نزيلُ " هي الخبر؟
ومع ذلك، فكلمة " نزيلُ " لم تعطِ الفائدة للسامع، وذلك لأنَّ المضاف يحتاج للمضاف إليه، فلا تكتمل الفائدة، إلاَّ بعد ذكره.
وكذلك، إذا قلت: " هو الذي أكرمنا "
ألستَ تقول: كلمة " الذي " هي الخبر، ومع ذلك لا أحد يقول: إنَّ الفائدة تمَّت به، بل تتمُّ بصلته، وصلته ليست خبرًا، وليست مشتركة معه في الخبر.
وهكذا نقول في خبر اسم الشرط، لا بدَّ من إتباعه بجملة جواب الشرط، وعدم السكوت على فعل الشرط، لأنَّ المعنى لا يزال ناقصًا، فجملة الجواب تَتمُّ بها الفائدة، من جهة التعليق، لا من جهة الخبرية، وهي جواب للشرط، وليست خبرًا للمبتدأ، لأنَّ الشرط يتكوَّن من المبتدأ والخبر، وهو يحتاج إلى جواب وجزاء، والله أعلم.
وقولك: (ويؤيدهم أنه لا بد أن يكون في كل جملة منهما ضمير يعود للمبتدأ)
قلتُ: لا يلزم ذلك في جملة الجواب، لأنهما ليستا خبرًا معًا، ولا تفتقر صحة الكلام إلى ضمير يرجع من الجواب إلى اسم الشرط، وإنما يلزم عَود الضمير من جملة الشرط فقط، في جميع الأحوال، لأنها هي الخبر لوحدها، وسأذكر شاهدًا لِما أقول.
الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد: ((مَن مَلكَ ذا رحم محرم فهو حُرٌّ)).
فإنَّ الضمير من قوله (هو حُرٌّ) إنما يعود على المملوك، لا إلى " مَن " الواقعة على المالك، وهي المبتدأ.
فلم يَلزم عَود الضمير على المبتدأ من جملة الجواب.
وقول زهير، " من الطويل ":
ومَنْ لا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ * يُهَدَّمْ ومَن لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
فالضمير المستتر في جواب الشرط " يُهدَّمْ " يعود إلى " الحوض "، ولا يعود إلى اسم الشرط.
وقال أبو فراس، " من الطويل ":
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفُوسُنا * ومَنْ خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهرُ
والضمير في جواب الشرط، يعود إلى " الحسناء "، وهو مفعول " خطب "، ولا يعود إلى المبتدأ.
والله أعلم.
وقولك: (ويأتي بعد هذا الرأي، رأيُ مَن قال: جملة الجواب هي الخبر)
قلتُ: ما أعجب أمرك - أيها الأغر -.
أترجِّح القول الضعيف في المسألة، والذي لم يستند إلى تقدير صحيح؟
لا أرَى أنَّ مثلَك يفعلُ هذا، فقد عهدتُك رصينًا في معلوماتك، دقيقًا في آرائك.
هل تعلم، أنَّ هناك من العلماء مَن يجعل الترجيح بين جملة الشرط، والجملتين معًا، ولا يعدُّ جملة الجواب ضمن الأقوال؟
هل تعلم أنَّ علَّة أصحاب هذا المذهب، هي أنَّ جواب الشرط محطُّ الفائدة؟
وهذا يتبادر إلى ذهن مَن لا يتأمل إلى دفعه، معتمدا على أنَّ الفائدة إنما تتمُّ بالجواب، الذي هو محطُّ الفائدة.
وجواب هذا التوهُّم: أنَّ الفائدة إنما توقفت على الجواب من حيث التعليق، لا من حيث الخبرية، لأنَّ " مَن " اسم للشخص العاقل، وضُمِّنت معنى الشرط.
وواضح أيضًا، أنَّ الجملة الشرطية، لا يمكن اعتبارها جملة خبرية، مثل جملة: " زيدٌ في الدارِ ".
لأنَّ الجملة الشرطية مركَّبة من جملتين، شرطية وجوابية.
وليست الشرطية كالمبتدأ، ولا الجوابية كالخبر.
وهو التكامل، بمعنى احتياج أحدهما للآخر، أي يحتاج المبتدأ إلى الخبر، ويحتاج الشرط إلى الجواب.
والله أعلم.
وقولك: (وأما قولهم: إنَّ جملة الجواب في محل جزم إن اقترن بالفاء، فأمر عجيب، لأنه يقدر بفعل مضارع، والفعل جملة وليس مفردا، لأنه لا يتصور الفعل بلا فاعل، وهم يقولون: يكون للجملة محل إن أمكن أن يقع محلها المفرد، أي الاسم، والجزم من خواص الأفعال فكيف يكون محل هذه الجملة الجزم)
أقول: بل العجب، ما ذهبتَ إليه من آراء ضمن هذا القول.
ووالله، قد حاولتُ أن أضعه على غير ما تبادر إلى ذهني، فلم أنجح، لأني أرَى أنَّ مشاركات " الأغر " القويَّة، لا يمكن أن تجنح إلى هذا المنعطف، مهما ضاق بها الطريق. ومهما كان ميله إلى فريق.
أقول: تقييدك بالمفرد أنه " اسم "، فيه نظر، والصواب ما ذكره الدكتور قباوة، في " إعراب الجمل ":
(الأصل في الإعراب أن يكون للمفرد، اسمًا أو فعلاً مضارعًا، لأنه كلمة واحدة، يمكنها أن تظهر على آخرها حركات الإعراب، أو تُقدَّر تقديرًا)
¥