وأما إعراب جملة الجواب محل الفعل، فهو أمر معلوم من النحو بالضرورة، لا يختلف عليه اثنان، ولا يحتاج إلى بيِّنة أو برهان.
وما زلتُ مستغربًا، ما الذي تَهدف إليه بقولك هذا؟
وقد اتَّفق أهلُ مَن رجَّحت مذهبهم، أنَّ جواب الشرط في قوله تعالى، في الأنفال: {وإن يُريدوا أن يَخْدَعوكَ فإنَّ حَسْبَك اللهُ}، هو جملة {فإنَّ حَسْبَك اللهُ}، وهي في محل جزم به، لأنها وقعت موقعه، وحلَّت مكانه.
قال الأستاذ محي الدين: (والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط)
فما وَجه الإشكال؟
هذا ما استطعتُ أن أستخلصه من تعقيبك، ولم أرَ فيه ما يرجِّح أن تكون جملتا الشرط والجواب معاً، خبرًا لاسم الشرط الواقع مبتدأ.
ولذلك ما زلتُ أرَى أنَّ ما ذهب إليه، إمام عصره، الفذُّ ابن هشام – رحمه الله -، من أنَّ جملة الشرط هي الخبر، هو القول الراجح في المسألة، والله أعلم.
بقيَ أن أذكر كلمةً أخيرةً، مخاطبًا أهل مذهب الهروي، ومَن مشَى معه، - رحمهم الله جميعًا -، وهو القول بأنَّ مجموع الجملتين خبرُ الشرط.
أقول: أنتُم تزعمون أنَّ الجملتين اتَّحدتا بسبب اسم الشرط، وصارتا جملة واحدة.
وأرَى أنَّ كلامكم صواب، إن كنتم تريدون الجملة الشرطية بكاملها، أيْ: مع أداة الشرط، فيجوز أن يكون لها محل من الإعراب.
ونحن نتَّفق معكم على هذا، وذلك نحو وقوعها في محل نصب مفعول به ثانٍ:
أراكَ إذا اسْتَغْنيتَ عنَّا هَجَرْتَنا * وأنتَ إلَينا عِندَ فَقرِكَ مُنْضَوِ
فالمقصود هو الجملة الشرطية " إذا اسْتَغْنيتَ عنَّا هَجَرْتَنا " بكاملها، وليس جملة الشرط وجوابه.
أمَّا فصل اسم الشرط على أنه مبتدأ، وإعراب ما تبقَّى من الجملة الشرطية، على أنه جملة واحدة، بعد أن انفصل اسم الشرط عنها، فهذا يناقض تأصيلكم: أنَّ وجود اسم الشرط هو الذي يجعل الجملتين جملة واحدة.
الأمر الثاني، إذا سلَّمنا أنَّ جملتي الشرط والجواب، جملة واحدة، فلماذا تقومون بفصلها حال إعراب جملة الجواب في محل جزم، ثمَّ تعودون وتجعلون الجملتين في محل رفع خبر اسم الشرط، نحو:
ومَنْ لا يَزلْ يَنْقادُ لِلغَيِّ والصِّبا * سَيُلفَى علَى طُولِ السَّلامةِ نادِما
كيف تجعلونها، مرَّة جملة، ومرَّة جملتين؟
هذه هي المآخذ، وتلك هي الثغرات، التي أدَّت إلى ضعف هذا القول، وجعلته قولاً مضطربًا.
ولهذا، فقد بدا عيانًا بيانًا، أنَّه قول مرجوح.
أمَّا رأي ابن هشام، فقد استقرَّ في كلِّ الأحوال، في المقرِّ والانتقال.
وزلَّ الرأي الآخر، ولم يثبت على حال، لا في الحلِّ ولا الارتحال.
ولا أجد أجمل من بيتي " كثير "، حكاية عن القولين وهما يسيران في طريقهما:
وكنَّا سَلكنا في صَعودٍ مِنَ الهوَى * فلمَّا تَوافَينا ثَبتُّ وزَلَّتِ
وكنَّا عَقدْنا عُقْدةَ الوَصْلِ بَينَنا * فلمَّا تَواثَقْنا شَدَدتُ وحَلَّتِ
والله أعلم.
أخي الفاضل، أرجو لك التوفيق وأنتَ في طريقك إلى العُلا.
مع عاطر تحاياي
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[02 - 04 - 2005, 03:37 ص]ـ
وأخ إن جاءني في حاجة ***** كان بالإنجاز مني واثقا
وإذا ما جئته في مثلها ***** كان بالردّ بصيرا حاذقا
يعمل الفكرة لي في الردّ من ***** قبل أن أبدأ فيها ناطقا
أخي الأستاذ الكبير حازم
لا أتمثل ببيتي كثير ولكني أتمثل بقول عمرو بن امرئ القيس الخزرجي:
نحن بما عندنا وأنت بما ***** عندك راضٍ والرأي مختلف
من قصيدته التي مطلعها:
يا مالِ والسيد المعمم قد ***** يطرأ في بعض رأيه السرف
أتفق معك أن الخلاف في تحديد الخبر ها هنا لا يمكن المصير فيه إلى رأي قاطع ولكن أحببت أن أشير إلى أمر لم تنبه إليه في بحثك الأول ولم تدركه في تعقيبك وهو الاختلاف بين (إن) التي هي أم باب أدوات الشرط وبين أسماء الشرط وهو أن اسم الشرط يدل على شيء مع تضمنه معنى إن، فمن حيث دلالته على شيء استحق أن يكون محلا لتوارد المعاني المقتضية للإعراب وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة ومن حيث تضمنها معنى (إن) تعلق جملة الجزاء بجملة الشرط، فإذا وقع اسم الشرط في محل رفع بالابتداء كان لا بد له من خبر، والخبر هو ما تتم به الفائدة من الكلام ولا يمكن إغفال هذا الأمر المعنوي في مسألة تحديد الخبر.
¥